بقلم: جمال جبار الناصري
شكلت عملية انتقاد المجلس الاعلى من قبل فصيل محدد من الكتاب اشبه بالتقليعة، والسبب هو سكوت المجلس الاعلى الذي يشكل القوة السياسية الاكثر تاثيرا في البلاد..ومواقفه المبدأية تجاه مجمل القضايا التي يحتمل ان تقوم قوى اخرى بتغيير مواقفها بتاثير المصالح..
فما ان تحصل واقعة ما ...حتى يتناخى الجميع بوعي او بدونه ..لتوجيه سهامهم المسمومة لقذف هذا المجلس بابشع الاتهامات.. فبدأ من الاقتتال الطائفي الذي حصل في 2006م ...والجثث مجهولة الهوية... والعمالة الى ايران... والتدهور في الخدمات.. وعرقلة اقرار الموازنة... واوضاع كركوك.. ومجاملة الفيدرالية الكردية والسكوت عن طموحاتها ..وربما كان للمجلس الاعلى يد في انخفاظ اسعار النفط في العالم ...وفي هزيمة الاصلاحيين في ايران.... ونزول الجمهوريين وصعود الديموقراطيين في امريكا؟؟؟؟.
ولم يقف الامر الى هذا الحد... بل وصل الى تناول قضايا شخصية وصلت الى الانتقاص من شعائر ..وتقاليد ..وموروثات..وشخصيات رمزية معروفة ...تمثل هوية المسلمين الشيعة وحاول صدام النيل منها ومحاربتها بشكل او بآخر...
والحلقة الجديدة في هذا المسلسل المثير للاستياء هي قضية مصرف الزوية...
والاخطر في الامر هذه المرة هو قيام عدد من الموظفين الحكوميين بدوائر امنية واعلامية بالانضمام الى كتيبة الهجوم المعادي للمجلس والقيام بتوجيه النقد العلني والتلفيق بشكل او بآخر وربما لاغراض مختلفة مستغلين نفوذهم ومراكزهم في الدولة التي يقود المجلس اغلبيتها البرلمانية..دون الاستناد الى اي مبررات قانونية او اخلاقية..
وللاسف ان النقاط التي يرتكز عليها هؤلاء مخجلة الى حد اللعنة... وتكشف عن سطحية وسذاجة وعقم في التامل والتفكير .وابتعاد كلي للتفكير في الصالح العام وعدم استيعاب ان العراق تغير عن ماضي البعث...بل الحقيقة ان حقدهم وثقافتهم التي مازالت متاثرة بشعارات صدام.. قد اعمت بصيرتهم وجعلتهم اسرى لما يحملون من حقد اسود تجاه كل من ينتمي الى التيار الاسلامي المعتدل المتوازن الذي يقوده المجلس الاعلى...
وقبل ان نتطرق الى صلب الموضوع لابد من الاشارة الى ان هناك الكثير من الخلايا النائمة ممن تنتظر الانقضاض على المجلس.. والدعوة.. وسائر المكونات التي اسهمت في اسقاط صدام.. وهذه الخلايا تمتليء بها مؤسسات الدولة الاعلامية.. والامنية بوجهه الخصوص.. على اعتبار ان النظام السابق كان يولي المؤسسة الامنية والاعلامية تركيز ويزرع بها الاعوان...واقول هذا وقد قام جملة من الخيرين بأطلاق اشارة التحذير لكن يبدو ان الجميع في غفوة من ذلك ...وانا هنا ليست لي علاقة لا من قريب ولامن بعيد بالمجلس بل انا من بين اكثر المتضررين من بعض المحسوبين على المجلس ولكن هذا لايمنعني من قول الحقيقة...
حقيقة الذين جعلوا من حادثة سرقة مبلغ لايتجاوز 6 ملايين دولار من مصرف الزوية من قبل احدى المافيات العسكرية الامنية.. ذريعة للهجوم الكبير على المجلس قبل ان يتم اعلان النتائج النهائية للتحقيقات ..فهل يعقل ان يقوم الصحفي او الكاتب السياسي المهني باطلاق الاوصاف والنعوت وسيل الاتهامات... بدون الرجوع الى الحقائق والادلة والبراهين.. ومتابعة خيوط القضية وملابساتها...والسؤال هنا على ماذا استند هؤلاء ..والجواب انهم استندوا الى تصريحات غير مسؤولة ومتسرعة لوزير الداخلية.. الذي هو الاخر يجب ان يحاسب لتسرعه...واثارته للبلبلة بين ابناء الشعب ... فليست مهمته ان يكون قاضيا يحكم على جريمة لازالت اوراقها قيد التحقيق.. على اعتبار انه يقف على راس جهة امنية وليست قضائية ..
ولان اكثرهم قد تنعموا بهدايا السيد الوزير ومكارمه السخية.. فقد اخذ الكتاب يتناولون الحقيقة بعين واحدة... مثلما هو تراث الصحافة التي خلقها البعث.. وعلم اتباعه وذيوله وكتاب بلاطه ان يفتحون عين... ويغمضون الاخرى ويدعون انهم صحفيون يمتلكون من المهارة مايفوق الخيال...واقسم لو ان للمجلس هبات وعطايا وبذخ على مثل هؤلاء الكتاب لتغير الحال الى مديات بعيدة وانا مسؤول عن كلامي...
ففي حادثة مصرف الزوية لم نرى كاتبا واحدا ناقش الامر من باب الخرق الامني حينما تظهر عصابة من داخل الفوج الرئاسي..ولم نرى كاتبا دعا الى تطهير المؤسسات الامنية من المفسدين... ولم نرى تحقيقا صحفيا تتبع مجريات التحقيق وكشف ملابساته ..كل ماظهر هو تعليقات متشابهه اطلق فيها الكتاب الاكارم الذين العنان للخيال والعاطفة ليفرضوا على الشعب تصوراتهم العقيمة ...
ولم نجد واحد منهم تناول الامر باقناع ومن زاوية الحياد ثم توصل الى استنتاجات... وليوجه التهم الى من يوجهه لكننا وجدناهم يحولون (السوالف) الى مقالات يبدأونها بالكشف عن توجهاتهم ومواقفهم وهي نقطة تناقض المهنية والمصداقية التي يفخر بها اي كاتب في اي مكان من امريكا الى موزنبيق...
ولكن الدوافع لدى هؤلاء لاعلاقة لها بالشعب او بصاحبة الجلالة التي ابتليت بمن يدعون الانتساب اليها..ممن كانوا يقتاتون على دراهم صدام ..وعدي...من الذين باعوا ضمائرهم وشرفهم الصحفي مقابل دنانير لاتعادل علبة سكائر مستوردة كان يتصدق عليهم بها ولي نعمتهم.. الذي لم يتركوا وصفا لم يصفوه...فكان لايفارق احاديث سكرهم ..وصحوتهم... كيف لا وهو قائد القطيع...
ولتعزيز ما اقول فالارشيف الخاص بالثورة والجمهورية والقادسية والعراق ومجلة الف باء موجود ومصنف ..وجاهز للنشر ..ليعرف الشعب حقيقة هؤلاء.. لاسيما تسابقهم ايام المناسبات على تمجيد طاغية العوجة ...وكذلك كتابات من يتحدثون اليوم وكانهم ابطال الاعلام الحر وكل ذلك الارث المخزي موجود وباعلانه.. سيقف الرأي العام على حقيقة من امتطوا الاقلام ليدنسوا المهنة الشريفة التي حولوها الى دكاكين تدر عليهم بشيء من المال واشياء اخرى يعفرنها جيدا...
فلو كانوا اصحاب عقيدة وشرف لما ارتضوا لانفسهم التسابق لركوب موجة التزلف في مجالات المقالة... والتحليل... والتعليق... والقصة القصيرة ...والشعر ..التي جعلوها طينا اصطناعيا بيد جلاوزة الطاغية وابعدوها عن تناول هموم الشعب العراقي الذي ابتلي بديكتاتورية استمرت عقود طويلة مرتكزة على من يلم صورتها من الداخل مثلما ارتكزت على اقلام ماجورة تلمع صورتها في الخارج...
فبئسا لجبناء يحتمون بما كفله الواقع الجديد من حريات....وبعضهم في ضيافة مخابرات دول الجوار والبعض الاخر كاتب اجير يعني مثل القاتل الاجير الذي يستخدم من قبل قوى سياسية لتحقيق اهداف محددة ولكن الحمد لله انهم يكشفون عن وجوههم...ويظهروا حقدهم... لكل الشرفاء من ابناء الوطن... لاسيما الاسلاميون منهم.. والاسلام المعتدل بالتحديد... وهو ماكان يفعله ويتباها به طاغيتهم الذي يتفاخر بانه الوحيد القادر على اقصاء المجموعات الاسلامية الناشطة في العراق مثل الدعوة والمجلس الاعلى ...
ونحن هنا ندرك اننا وصلنا الى طريق يحتم علينا تحديد ماذا تعني حرية الصحافة فمثل مايقف الصحفي وهو يسمح لنفسه باتهام مايشاء فعليه ان يكون مستعدا لاثبات مااطلقه من اتهامات والا فأنه لايختلف على من يبيح لنفسه استخدام القوة خارجا عن القانون...وسوف ننتظر اي حادثة جديدة ليلتأم قطيع هؤلاء الكتاب ليبحثوا عن شتائم وتشبيهات ونعوت لاتحمل الى الياس والاحباط ولاتنشر لدى الشعب الا ثقافة الاقصاء والتشفي وتصفية الحسابات وتبعده عن لغة الحوار والبحث عن الحلول العملية التي تفيد مجتمع ارهقته الاكاذيب منذ ازل ليس بقليل....
https://telegram.me/buratha