سعد الكاتب
لاشك ان الاعلام في العقود الماضية عانى أسوا حالات التردي والانحطاط وغياب المنهج الصحيح للبناء المؤسساتي الرصين ورافق ذلك فوضى عارمة في شكل الخطاب والكلمة والعبارة حتى اصبحت لغة الخطاب المعتادة والتي يمثلها الاعلام الرسمي الذي كان المنبر الاعلام الوحيد هو شكل من اشكال الانحطاط اللغوي والخلقي ...حيث تعج البيانات السياسية ونشرات الاخبار ومثلها افتتاحيات الصحف واعمدتها واخبارها بنفس القالب الساذج من الالفاظ الهابطة والشتائم الرخيصة بمناسبة وبغير مناسبة فاي ازمة سياسية او خلاف مع الخارج كان يعني الحرب الاعلامية الشعواء التي تصور العدو بانه عدين الخلق والضمية ومجهول النسب حتى وان كان حليفا عروبويا باسلا في الامس القريب ..
فكل شيء ممكن في تلك الفترة وكل المفردات والصفات مباحة حتى لو كانت تخدش المسامع وتمت الذوق العام في الشارع فكات عجلة الاعلام اليومي تلوك تلك الاسمال الهابطة من العبارات البخسة والوضيعة اتي اصبحت لبوس الاعلام الدائم .. الجريدة الرسمية والاذاعة الرسمية والتلفاز الرسمي كل هذه الادوات التي تشرف عليها السلطة وتجرم ما سواها كان من المفترض ان تغذي المجتمع بالوان التربية وتسهم في الارتقاء به نحو التحضر والرقي ولكنها لاسف تحولت بمرور الزمن الى اكبر باعث على السموم والانحرافات الفكرية وقحة الشارع وفضاضة مفردة التعامل اليومي في الشارع فالدجال والخفيف واللقيط والخائن والعميل والمتخاذل وغيرها من الالفاظ التي تصل احيانا الى مستويات هابطة تتعامل بالقوادة على انها جزء من موروث القائد وجزء من سيرته الحكائية وبلاغته التي لا تضاهى ..كل هذه المؤثرات تحوت طيلة استعمالها المتكرر الى جزء مهم من بناء المفردة الاعلامية وصار الاعلام المحلي اعلام هرج مرج تغيب فيه المعلومة وتختفي الحقيقة تحت ركام هائل من الكلمات والشتائم والاناشيد التي كثيرا ما تزج بها الايات القرانية او شظايا منها في تحطيم اثم للقدسية التي يحظى بها الكتاب الكريم ..ولهذا كله قد نجد بعض العذر لمن اشتغلوا طويلا في الاعلام البعثي واعتاشوا عليه بل وتربوا على ايقاعه النشار منذ نعومة اقلامهم ..وهاي هي تلك الاقلام تصبح اقراشا ضارية بعد ان صار من المستحيل ان تغير جلدها او تنقي شيئا من حبرها المسموم ..
وعلى هذا السياق فليس بالغريب ان يطلع علينا الكاتب احمد عبد الحسين ببطانياته يشيعه نفر من حملة التوابيت في تشييع مزري لاخر احلامنا في ان يكون العهد الجديد عهد البعث عهد الكلمة النقية العارية عن المبتذل من العبارة او الدخيل من المفردة او الطاريء من الكلمة ..ولكن هيهات هيهات فان من شب على شيء شاب عليه ..فكيف اذا كان قد تغذى عليه مذ كان في ابتدائية القائد الملهم ..سجلات الاجتماعات الحزبية وشعارات امة عربية ووحدة حرية لا تريد ان تفارق اشباحها للاسف طبالوا الامس حتى لو البسوا البدلة ربطة العنق واجلسوا وراء المكاتب الفارهة بعد ان كان الزيتوني رفيقهم الدائم .. ولهذا السبب فقد لا يدهشنا رغم انه يصيبنا بالحزن ان تحول المفردة الاعلامية المقدسة في اغلب دساتير العالم الى فردة حذاء تتطاير على رؤوس الصحفيين في تعبير يرثى له عن ابتذال المهنة واحتراف اللاخلق في مسيرة الاعلام .. التزويق في العبارة الذي هو شرط اساس من شروط البعثنة الاعلامية لازال حاضرا ..فالمهم ان تزوق حتى لو كانت السيارة فولكس واجن او مرسيددس المهم ان تضع عليها تلك الاشرطة الملونة ثم تدفعها دفعا الى ساحة الكلم باسم الشيطان .لابد لنا من مراجعة اخيرة لانفسنا ووقفة مع الضمير لتشخيص العلة وتنقية الكلمة وتنظيف الخطاب من ذلك الصدا والا فان البعثنة ستبعث من جديد لانها مثل النبات الوحشي يعيش حتى في المزابل ..
https://telegram.me/buratha