علي محمد البهادلي
من نافلة القول أن أُذكِّر بأن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد منظومتها القيمية على أساس مبدأ المنفعة ؛ مما يؤدي ذلك إلى تبدل موضوع القيمة على الأساس نفسه ، فما كان بالأمس القريب قبيحاً ورذيلة من الممكن أن يصبح غداً حسناً ورذيلة ، كل هذا ساهم في انتهاج الإدارات الغربية وبالخصوص الولايات المتحدة سياسة مزدوجة المعايير ، وخلط في المفاهيم والتصورات . قبل أيام تداولت وسائل الإعلام ، قبيل زيارة رئيس الوزراء إلى أمريكا ، نبأ اتصال مسؤولين أمريكيين بما يُسمَّى المجلس السياسي للمقاومة العراقية ، في خرق واضح للاتفاقية الأمنية التي وقعها الجانب الأمريكي مع الحكومة العراقية . فمن هؤلاء الذين تحاورت معهم المسؤولون الأمريكان ؟ أهم مسلحون يقاومون الاحتلال الأمريكي ، لكن أمريكا تسمي من يوجه ضرباته نحو قواتها بالإرهابي ؛ لأن الوجود الأمريكي ـ حسب قول الأمريكان ـ قانوني وشرعي بطلب من الحكومة العراقية المنتخبة ، أو إنهم ـ أي المسلحين ـ يقاومون الشعب العراقي بتفجير الأسواق ودور العبادة والأماكن العامة ، بيد أن مثل هذه الجماعات لا يمكن لأي جهة إلا أن تسمهم بالإرهاب . إذاً كيف يمكن للأمريكان أن يتفاوضوا مع هكذا جهات تعتبر على كل المقاييس إرهابية ؟! ومن الذي خوَّلهم ذلك مع وجود حكومة عراقية قد تسلمت السيادة قبل أقل من شهر ؟ أقول إن أمريكا ليس لها عدو أو صديق دائم ، فالمصلحة والمنفعة التي تعود على أمريكا هو ما يقرر ذلك ، فصديقها هو من لا يتعارض مع خططها وسياساتها في المنطقة والعالم ، وعدوها الإرهابي هو من يقف بوجه مصالحها أو من يحاول أن يحجم التأثير الأمريكي على قراراته ويظهر في موقف الحر المستقل ، فمن تسميه بالإرهابي بعد أيام سيكون راهباً! أي بعد أن يدخل معها في صفقات سياسية .!!فما هو السبب الذي يدعو للتفاوض مع هذه الجهات ؟ إن هناك أكثر من تحليل لهذه الخطوة المشبوهة ، منها تحليل الحكومة العراقية وآخرين مشتركين معها في العملية السياسية ، يقولون إن هناك أجندة إقليمية ، لا سيما الأجندة السعودية منها ، تحاول أن تحدث خللاً في العملية السياسية وتجهضها وتعود بنا إلى المعادلة الظالمة قبل 2003 ، فهذه الجماعات ـ كما تقول الحكومة ـ هي خلايا لحزب البعث المنحل ، وتريد أن تتصدر المشهد السياسي العراقي من جديد ، وتتهم السعودية بإنفاقها ما مجموعه 5 مليارات دولار لإجهاض العملية السياسية . وهناك رؤية أخرى تقول إن الجانب التركي بدأ هو الآخر بتنفيذ أجنداته في الساحة العراقية من خلال الضغط على الحكومة العراقية في ملف المياه ، مياه ( نهري دجلة والفرات ) لإرجاع هذه الجماعات للسلطة ؛ ربما بسبب تعهدات من قبل هذه الجماعات للجانب التركي في ملفات عديدة منها مسألة كركوك وحقوق التركمان وحزب العمال الكردستاني في شمال العراق .لكن غابت عن البعض الأجندة الأمريكية ، فالأمريكان بعد توقيعهم الاتفاقية الأمنية وانسحاب قواتهم العسكرية من المدن إلى القواعد الرئيسة .، بدأو يفكرون بجدية في مسألة قوة الحكومة المركزية العراقية ، فهم لا يريدون حكومة عراقية قوية ؛ لأنها سوف تقف بوجه المصالح الأمريكية إذا ما تعارضت مع المصلحة الوطنية ، وإذا ما أرادت أمريكا أن تستخدم الأراضي العراقية لتصفية ثاراتها مع جيران العراق لا سيما إيران . يتصور الأمريكان أن ما يسمى بالمجلس السياسي للمقاومة العراقية يمكنه أن يقوم بدور فعال في إضعاف الحكومة العراقية إذا ما انخرط في العملية السياسية ؛ الذي من الواجب ، حسب تصورهم ، العمل على إيجاد صفقة ساسية تمهد لإرجاعهم إلى السلطة ، وربما يكون هناك سبب آخر لا يتقاطع أو يتعارض مع السبب الأول ، وهو إحراج المالكي أثناء زيارته لواشنطن ، وأن تلقي هذه الأنباء بظلالها على المباحثات التي سيجريها هناك مع المسؤولين الأمريكيين على أعلى المستويات ؛ كي تصوره على أنه لا يمكن أن يفعل شيئاً تجاه اللاعب الأمريكي ؛ مما يؤدي إلى ضعفه وفقدان مصداقيته ، إذ إنه طمأن الشعب العراقي والأطراف المعارضة للاتفاقية الأمنية بالعمل بقوة وبجدية على استحصال السيادة وعدم التدخل الأمريكي في العمليات العسكرية ، فضلاً عن التدخل في العملية السياسية ، ووعدهم من قبل أن البعثيين غير مشمولين بدعوته التي أطلقها للمعارضين للعملية السياسية . . إذ إن الشعب العراقي المظلوم يتحسس كثيراً من أي محاولة ترمي إلى إرجاع البعثيين إلى السلطة ، وقد تدراك رئيس الوزراء موقفه المتراخي تجاه البعثيين قبيل انتخابات مجالس المحافظات ، وصرح بأنه لم يعنِ بتصريحاته تلك البعثيين القتلة وإنما الجهات التي عارضت العملية السياسية ولم تتلطخ أيديها بدماء العراقيين ، وغيَّرت موقفها وتريد العمل المعارض داخل العراق ؛ فقد كادت ، أي تصريحاته الأولى ، أن تشكل عامل ضعف لقائمته التي نزل بها في تلك الانتخابات ، إذ إن أكثر من جهة سياسية انتقدت موقفه ذلك بغض النظر عن نواياهم وبالتأكيد أن الكثير منهم كان انتقادهم لرئيس الحكومة المالكي كان عن حسن نية ، وحرص على الشعب العراقي ، والمحافظة على حقوق هذا الشعب المسكين التي نال البعض منها جراء التضحيات الجسيمة التي تكبدها ، ربما تصب الخطوة الأمريكية في هذا الاتجاه أي في محاولة لإضعاف قائمة المالكي ؛ كي يضطر إلى التحالف مع أطراف أمريكية التوجه أو في صالحها بقاء قوات الاحتلال الأمريكي ؛ لأن خروجها لا يمكنها من تحقيق أهدافها المتبقية . يجب على الحكومة العراقية أن تقف بقوة تجاه أي خطوة من هذا القبيل ، وعلى القوة الوطنية الأخرى التي هي خارج الحكومة العراقية أن تساند الحكومة في هذا المجال ؛ لأن المسألة لا تعني الحكومة العراقية فحسب ، وإنما الأمر يتعلق بمصير شعب يُراد له أن يُذبًح مرة أخرى .
https://telegram.me/buratha