علي محمد البهادلي
دائرة الرعاية الاجتماعية هي إحدى دوائر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تقوم برعاية العاجزين عن العمل والأرامل والمطلقات والعاطلين وصرف إعانات مالية شهرية لهم ، ولـــــــــــكن!!!ما إن تمرُّ من أمام هذه الدائرة أو مكاتب البريد التي تُوزَّع هذه الإعانات إلا ورأيت جمعاً غفيراً من كبار السن والعجزة والمعاقين والأرامل يفترشون الأرض انتظاراً لإنجاز معاملاتهم أو انتظاراً لاستلام رواتبهم ، وقد رأيت بأُم عيني بعض هؤلاء المساكين ، وهم يخرجون من بيوتهم منذ الساعة الثانية بعد منتصف الليل لا يحميهم سقف من قيظ الصيف ولا من قرِّ الشتاء وهم معرضون في أي لحظة لتسلل الأجساد العفنة المعدة للتفجير في سبيل الشيطان .من المفترض أن تكون هذه الوزارة من أهم الوزارات ؛ لارتباطها بشريحة نالها الحرمان والفقر والظلم ما لم ينل أي شريحة أُخرى فهم ـ أي المشمولين بإعانات هذه الوزارة ـ كبار السن ، و العجزة الذين فقدوا أرجلهم أو أيديهم أو أحد أعضائهم ، والذين فقدوا أعزتهم علي أيدي النظام الدكتاتوري ، والأرامل التي راح أزواجهن ضحية العنف الطائفي أو التفجيرات الإرهابية .... فلماذا هذا الإهمال الذي تعانيه هذه الشريحة المهمة في المجتمع ؟! ولماذا تتأخر دائرة الرعاية في هذه الوزارة بإنجاز معاملات هؤلاء المساكين ؟!!إن من أهم أسباب تعثر إنجاز معاملات هؤلاء المواطنين وتأخر صرف رواتبهم هو تفشي جريمة الرشوة في هذه الدائرة ، فمن المسؤول عن تفشي هذه الجريمة في هذه الدائرة ؟ هناك عدة عوامل أدت إلى تفشي الرشوة في هذه الدائرة منها الروتين المُمِل الذي يجبر المواطن على عدم الانتظار ، ودفع الرشوة لغرض الإسراع بإنجاز المعاملة واستلام الراتب ؛ لأن هناك إجراءات لا تُعَدُّ ولا تُحصى تقوم هذه الدائرة بوضعها واجتيازها أصبح عند المواطن أصعب من اجتياز الصراط المستقيم !!! أفلا تستطيع وزارة العمل الموقرة القيام بوضع آليات من شأنها التخفيف من معاناة المواطن وتسهيل إنجاز معاملاتهم وفي الوقت نفسه تكون هذه الآليات مانعة من اختراقها من قبل الموظفين المتورطين بقضايا فساد إداري ، فكل وزارات الدولة ومؤسساتها استفادت كثيراً من التطور التكنولوجي وأنظمة الحاسوب في كل ميادين عملها ، أما وزارة العمل فهي باقية مع شديد الأسف على نظام ( الإضبارة ، الفايل ، الكارتون و.....) وكأننا نعيش في القرن التاسع عشر على الرغم من زعم المسؤولين فيها بأنهم استحدثوا نظام البطاقة الذكية الذي سيكشف مواطن الفساد الإداري ويخفِّف من معاناة المواطنين ، ماهذا الإبتكار العظيم ؟!!!!! كأنه يشبه ابتكار القنابل الذكية من حيث الاسم وعظم العمل ! أما العامل اللآخر فهو يتعلق بأُجورالموظفين ، إذ إن الموظفين في دائرة الرعاية أغلبهم ليسوا على الملاك الدائم بل يعملون بصفة متعاقدين وبراتب يتقاضى عامل أمانة العاصمة ضعفه وهو مبلغ (150000) ديناراً ،؛ مما يجبر بعض من ذوي النفوس الضعيفة أن يتجرأ ويأخذ الرشوة من أشدّ خلق فقراً وبؤساً ، وهذا ما أكده مدير دائرة الرعاية الاستاذ عصام في لقاء أجرته معه إحدى الفضائيات العراقية !!أقول إذا كنت تعلم أن إحد أسباب تفشي الرشوة في دائرتك هي الأُجور الزهيدة التي يتقاضاها موظفو دائرتك والسبب الآخر ـ كما تقول أنت ـ أن الموظف المتعاقد لا يعبأ كثيراً بعواقب أخذه للرشوة ؛ لأنه يشعر بأنه في أي لحظة سوف يغادر الدائرة وينتهي عقده ، فلماذا لا تتحرك أنت ووزيرك المحترم لجعل هؤلاء الموظفين على الملاك الدائم أو على الأقل زيادة رواتبهم أُسوةً بباقي دوائر الدولة إذ لا يوجد تفاوت شاسع بين راتب الموظف على الملاك الدائم وراتب الموظف المتعاقد . أما العامل الثالث فهو اعتياد بعض الموظفين على هذه العادة السيئة منذ زمن الحصار الاقتصادي إذ تدنت قيمة الراتب حتى وصلت حداً لايستطيع الموظف أن يعيش براتبه أكثر من أسبوع ، وبعد سقوط صدام وتحسُّن الرواتب بقيت هذه الرواسب عالقة في نفوس البعض . والعامل الرابع مرتبط بالمنظومة القيمية للمجتمع ، فالكثير من القيم قد تبدلت بفعل الكوارث الاجتماعية التي حلت على الشعب العراقي ؛ بسسب رعونة النظام البعثي الذي حكم العراق خمسة وثلاثين عاماً ، فبعض العادات والسلوكيات السلبية لم يعد يُنظَر إليها على أنها سلبية وأبرز الأمثلة على ذلك هو جريمة الرشوة ، فهناك من يعتبرها شطارة أو ( السبع اللي يعبي .......) وحتى الاسم تغير فالبعض يسمى الرشوة بالــ ( الحلاوة ) ! وصدق رسول الله حين قال )) كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاَ )) . لاأدعي أنني استطعت أن أحصي العوامل التي أدت إلى تفشى الرشوة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبالخصوص دائرة الرعاية ، لكن هذه بعض العوامل التي نرجو من الوزير المحترم أن ينظر إليها بعين الجد لعله يسعى لإزالتها أو التقليل منها خدمة للمحرومين والمعوزين من أبناء هذا البلد الجريح ، بدلاً من تعليق اللافتات ، التي تندد بهذه الجريمة والبوسترات التي تحارب الفساد الإداري ، على جدران الوزارة ، فالمواطن يريد فعلاً وليس لديه مجال لأن يسمع قولاً .
https://telegram.me/buratha