حسن الهاشمي
في خضم الأحداث التي تعصف بنا، واختلاط الحابل بالنابل والتباس الحق بالباطل وانكفاء الحق في دنيا الزور والتملق والخداع، وفي موجة قتل الأبرياء لأغراض شخصية وحزبية وطائفية بلا وازع ضمير ولا رادع من دين، وتجمع الثروة والسلاح وصيرورة القدرة بيد أصحاب الرذيلة والفسق والفجور وعملهم الدؤوب لتحجيم وتهميش أهل الحق والفضيلة، في خضم هذه الأحداث والوقائع نعيش في زمان القابض على دينه وأخلاقه وقيمه كالقابض على الجمر، وفي المقابل فإن جميع أبواب المغريات مفتحة تجرف معها الكثير إلا من رحم الله من عباده المخلصين، وهكذا بات الإنسان يتأرجح بين تيارات متباينة في توجهاتها ومتباعدة في ميولها، حتى أن المؤمن الذي يحاول الإبحار للوصول إلى شاطئ النجاة بحاجة إلى منقذ ومؤمل وهاد، به تطمئن القلوب وتسكن الأرواح وتذعن الذوات، ولا يكون ذلك سوى الإمام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذي يفتح الله به ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.في الخامس عشرَ من شعبان سنة مائتين وخمسة وخمسين للهجرة الشريفة ولد الإمامُ محمد المهدي (عليه السلام)، حيث رويَّ إن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) طلب من أخته السيدة حكيمة المبيت مَعَ زوجه السيدة السعيدة (نرجس) لأنها ستلد الليلة، فتعجبت السيدةُ حكيمةُ وقالت: لم يَبدو عليها الحَملُ، ولم تخبرني بآلامٍ للوضع فبقي الإمامُ صامتاً ناظراً إليها مُتأمِلاً، فأدركت إنها لا تدركُ عِلمَ الإمامِ، فمكثت عنده واقفةً فقطع الإمام صمتها وحيرتها بقوله: إني أرى ذلكَ... فبقيت في بيته امتثالاً، وعندَ منتصفِ الليل قالت للإمامِ يا مولايَ لم يظهر على السيدةِ (نرجس) ما ينبئ عما تقول فقال: إنهُ الحقُ فانتظري يا حكيمة.. وقبل بزوغ الفجر شعرت السيدةُ نرجسَ بالطلقِ فأيقظت السيدةَ حكيمة من إغفاءةِ مستيقظ لتحضرَ تلك الولادة. فدلفت معها حجرتها لتخرج بَعد قليل حاملة مولوداً كأنَ وجَهه القمَر ووضعته في حجر أبيهِ (عليه السلام) فقال يا حكيمة هذا هو محمدٌ الموعود وخاتِم المعصومين من آلِ البيت والقائم بالأمرِ إمام العصرِ.. لا تخبري أحداً بولادته، كتمَ الإمام سِرَ ولادته حتى عن أخيه جعفرَ خوفاً من بطش الجائرين ومكائد الأعداء الظالمين لآل البيت (عليهم السلام).مضَت السنون ودنت ساعة أجلِ الإمام ليلاقي ربه مظلوما، وكان القوم من حوله في حيرةٍ بمن سيخلفُه في إمامتهم فاتفق أحمد بن إسحاق وسعد الأشعري وكانا من أكابرِ أتباع الإمامِ أن يدخل أحمد بن إسحاق عليه، قائلاً بعد السلام: يا ابن رسول الله مَن الخليفةُ والإمام بَعدك فنهض الإمام (عليه السلام) رغم مرضه ومضى مسرعاً فدخل حجرته ليخرج منها وعلى عاتقهِ غلامٌ كأن وجههُ القمرُ ليلة البدرِ من أبناءِ ثلاثةِ سنينَ وقال: يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتُكَ على الله ما عرضتُ عليكَ ابني هذا سميَّ رسول الله خليفتي وإمامُكم من بعدي.قال أحمد بن إسحاق: فقلتُ يا مولاي هَل من علامةٍ يطمئنُ بها قلبي..!! فنطقَ الغلامُ بلسانٍ عربيٍ فصيح.. أنا بقيةُ الله في أرضه والمنتقمُ من أعداءِ الله فحنى ابن إسحاق رأسهُ وخرجَ من بيت الإمام، بعد أن أدى السلام.كان سعدٌ في انتظارهِ، فلما خرج سأله ما وراءَكَ فقال: يا سعد: أما سمعت عن رسول الله قوله (يكون لهذهِ الأمةِ اثنا عشر خليفةً) قال بلى، قال وهل سمعت قولهُ (كيف أنتم إذا نزل ابن مريمَ فيكم وإمامكم منكم) وهل أتاكَ حديثٌ رَواهُ أبو سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (لو لم يبقَ من الدهرِ إلا يومٌ لبعث الله رجلاً من أهلِ بيتي يواطئُ اسمهُ اسمي يملأُ الأرضَ عدلاً بَعدما ملئت ظلماً وجوراً).وهل سمعت بحديث ابن عباس لمعاوية إذ قال له، قال رسول الله: (إن أمتي مرحومةٌ منها نبيها ومهديها) قال سعد إني مؤمنٌ بهذهِ الأحاديث فما وراءَك يا أحمد من خبرٍ قال يا سعد: الذي أخبرنا عنه رسول اللهِ هو الآنَ في حجر أبيه.. وقال لي وهو ابنُ ثلاثٍ بلسان عربيٍ فصيح: (لا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق)، فحمدا الله، ومَضيا مسرورين من دار الإمام الحسن (عليه السلام).توفي الإمام (عليه السلام) وكان لابنه المهدي خمس سنوات قد أتاهُ الله فيها الحكمة وفصل الخطابِ كما جَعلَ عيسى بن مريم في المهدِ نبياً، فأمَ الجماعة جعفرَ ليصلي على الإمام فتقدمَ منه المهديُ قائلاً: (تأخر يا عَمْ فأنا أحقُ بالصلاة على أبي) وقد ورَد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قوله: إنما سُميّ (القائمُ) لقيامهِ بالحقِ.وقال فيه الباقرُ (عليه السلام): (إذا قام مَهدُينا أهلَ البيت عَدَلَ في الرعيةِ فَمن أطاعهُ فقد أطاعَ اللهَ ومَن عصاهُ فقد عصى الله وأنه سُميَّ بالمهدي لأنَ الله تعالى يَهديهَ ويُرشدهُ إلى الأمور الخفيةِ التي لا يطلعُ عليها أحد...).إن الإمام المهدي (عليه السلام) موجودٌ في كل زمانٍ وقد تواردت الأخبارُ على ظهوره وإشراق نوره مجدداً للشريعة المحمدية فهو غائبٌ عن الأبصارِ لا يراهُ الناسُ ولا يعرفونَهُ وهو لا يُعرِّفُ نفسهُ ويحضرُ في كُلٍ مكان أرادَ، يعلَمُ - بإذن الله - كُلَّ ما يجري في العالم فإذا ظَهَر يحكم الكرة الأرضية جميعاً وينزلُ عيسى بنُ مريم من السماءِ ليُصلي خَلفهُ وتنقادُ إليه كافة الأديان والمللِ...فالإمامُ محمد المهدي (المنتظر) حقيقةٌ إسلاميةٌ واقعةٌ بشّرَ بهِ القرآن وتحدث عن ظهوره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة المسلمين بالحُجة والبيان وبأنهُ (عليه السلام) حيٌ على وجهِ هذه الأرضِ يأكلُ ويشربُ ويعبدُ الله منتظراً الأمر لَهُ بالظهور... .وإنه (عليه السلام) الآن في غيبته الكبرى التي أخبرَ الناس عنها من خلالِ نسخةٍ خرجت لهم تَحملُ توقيَعهُ وقد وجهها لنائبه السمري يرثيهِ بها ويأمرُهُ بَعدَمِ الوصيةِ لأحدِ فقد وقعت الغيبةُ التامةُ فلا ظهورَ إلا بَعدَ إذن الله تعالى، وكانت قبلها غيبتهُ الصغرى التي كانت مدتها أربعٌ وسبعون عاماً وقد شغلها أربعةُ نوابٍ أولهم كان عثمانَ بن سعيد، ومن بَعدهِ محمدُ بن عثمان، ثم الحسين بن روح ورابعُهُم أبو الحسن عليٌ ابن محمدٍ السمري المتوفى سنةَ ثمانٍ وعشرين وثلاثمائة هجرية وهو تاريخ الغيبة الكبرى.
ونحن نعيش الغيبة الكبرى فإن إيماننا بالحجة المنتظر كأيماننا بالله سبحانه وتعالى وكيف لا وإن الذي (لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) قد بشر به وأنه منجي المستضعفين من كيد الظالمين وأملهم الوحيد في تطبيق العدالة الإلهية التي تسود في الأرض بعد ظهوره، وأتباع أهل البيت يتحملون كل هذا الظلم والتقتيل والتهجير والتهميش في جميع الأصقاع حتى التي يشكلون بها الأغلبية فهم تواقون أكثر من غيرهم ومنتظرون بحب وشغف عظيمين طلوع طلعته البهية لتقر به عيونهم ويتذوقون طعم الحق والعدالة التي منعها عنهم الظالمون منذ السقيفة لحين تلك اللحظات الكئيبة التي عاشوها قبيل ظهوره المبارك.
وها نحن اليوم نعلنها بيعة وصرخة لولي الله الأعظم رغم تشكيك المشككين واستهزاء المستهزئين، إننا على نهجه سائرون ولخروجه منتظرون وعلى هديه راشدون، إلى أن يقر الله عيوننا بظهوره ليأخذ ثأر الإمام المظلوم الحسين بن علي وأهل بيته وأصحابه وثأر كل مظلوم إلى قيام يوم الدين.
https://telegram.me/buratha