حميد الشاكر
لم يزل الفرد العراقي ومع وافر الاسف وبعد مرور اكثر من ستة سنوات على أسقاط طاغية العراق صدام حسين ، واستبدال نظام حكمه القبيح بنظام حكم يميل الى الديمقراطية والتأسيس لدولة عراقية جديدة.. لم يزل هذا الفرد ليس بمستوى الطموح الذي ينبغي ان يكون عليه في تحمل مسؤولية هذا التغيير العراقي الجديد والكبير ، ولم يزل ايضا هذا الفرد غيرُ مستعد هو شخصيا للتفكير بعملية التغيير ((الذاتية ))والانسانية والفكرية والروحية والمعنوية والاخلاقية والسلوكية كذالك ، والتي يبدو عليها طبائع واخلاقيات الماضي البئيس ظاهرة وبادية بشكل فعّال وقوي ومتسلط !.نعم كنّا نتوقع ان جميع مآسينا الاخلاقية الاجتماعية العراقية ، وكذا عذاباتنا الفردية ، وهكذا مشاكلنا النفسية والفكرية والسلوكية العائلية .... الخ كلها منتج طبيعي لماكنة الاستبداد السياسية البعثية الصدامية وما تنتجه مثل هذه السياسات الاجرامية الشيطانية من ضغوط على الفرد والجماعة وتولده من ازمات ومشاكل تدفع الانسان العراقي الى دائرة الازمة بكل ماتعنيه هذه المفردة من مضمون ، ولهذا انتظرنا طويلا على سلبيات بعض الظواهر الاجتماعية والفردية العراقية على أمل ان يحدث التغيير السياسي الناهض والخطيرلتذوب مثل هذه الظواهر الاجتماعية العراقية السيئة تلقائيا باعتبار ارتباطها العضوي بالفساد السياسي في كل شيئ من منطلق نظرة حكيم الاسلام وفيلسوفه علي بن ابي طالب ع في رؤيته السياأجتماعية التي تربط بين فساد الحكم وفساد ظواهر واخلاقيات الفرد والجماعة من جهة ، وصلاح الحكم واستيلائه على مقاليد الادارة ومايتبع ذالك من ضرورة ان يصلح الانسان من نفسه كواجب شرعي واخلاقي من جهة اخرى في قوله عليه السلام :(( أذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خزية فقد ظلم ، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله فاحسن رجل الظنّ برجل فقد غرر / حكم نهج البلاغة )) . فعلي بن ابي طالب ع وحسب رؤيته هذه يربط بين استيلاء وحكم الصلاح او الفساد من جهة ، وبين تغيير اخلاقيات الفرد والجماعة من جهة اخرى وحسب نمطية الاستيلاء والحكم تلك ، ليقول لنا بصريح العبارة العربية الفصيحة : تحت حكم الفساد تسوء اخلاقيات الفرد والجماعة لتُفقد الثقة الاجتماعية نهائيا من التداول ، بعكس حكم الصلاح والانسان او الهيئة السياسية الصالحة فينبغي ان يتحمل الفرد مسؤولية التغيير ويعدّل من سلوكه الفردي والاجتماعي ليرفع سوء الظنّ من قاموسه وليستبدله باخلاقيات حسن الثقة والحياة الطبيعية والغير متشنجة اخلاقيا !!!.إلاّ ان ما فاجأنا بالفعل في الظاهرة العراقية الاجتماعية وحسب هذا المنطوق العلوي الاسلامي الطيّب إن بعد زوال تسلط واستيلاء الفساد من على رقاب العباد والبلاد ، واسقاط حكم الاستبداد والفساد والظلم الصدامي لستة سنوات خلت وتغيّر المعادلة الى الاحسن النسبي ، ومجيئ حكم جديد يحاول ان يكون صالحا ويظهر بوادر حسن الادارة مع تعثر طبيعي في التجربة السياسية هنا وهناك ، مافاجأنا هو بقاء هذا الفرد العراقي معنويافي مكانه القديم من الاخلاقية الاجتماعية التي كانت خاضعة لاستيلاء الفساد عليها حتى بعد تغّير المعادلة السياسية جذريا وبدون ان يتحرك خطوة واحدة نحو الامام او نحو التفكير بالتغيير السلوكي والاخلاقي والمعنوي الذي ينسجم مع هذا التغيير الكبير في العراق حتى هذه اللحظة ؟!!!.ذهبت دولة الباطل الصدامية لكن اخلاقية الكذب والعزوف عن الصدق وقتل الثقة الاجتماعية ....... لم تزل هي المسيطرة على حياة الفرد العراقي بصورة تدعو للغرابة والاستفهام !!.انتهت مرحلة استيلاء الفساد البعثية على مقاليد الحكم في العراق ، إلا ان اخلاقية الشره وحب الفساد والتلذذ باللقمة الحرام لم تزل هي الجارية في القواميس والاعراف الفردية والاجتماعية الاخلاقية العراقية ؟!!!.أُطيح بهبل الجريمة ، لكنّ عبادة الجريمة واسترخاص ارواح البشر وكيفية ازهاقها لم تزل هي الاخلاقية الباسطة ذراعيها على كتف الفرد والجماعة العراقية ؟!!!.ماتت بدعة حكم الصداميين البعثيين وبلا رجعة ، ولكنّ في المقابل نرى تشبثا غريبا عجيبا باخلاقية التطاول على المال العام وسرقة قوت المحرومين والمحتاجين ونهب ماتقع عليه الايدي تحت عنوان فن الشطارة والرجولة والغزو والغنيمة هي التي لم تزل المسيطرة على اخلاقيات الفرد والجماعة في العراق الجديد ؟؟؟!!!......الخ .ان مثل هذه الظواهر الفردية والاجتماعية الاخلاقية العراقية تدعونا بالفعل لاعادة قراءة الاشكالية الاخلاقية والسلوكية الفردية والاجتماعية العراقية لنسأل حولها بلماذا ؟. او ماهو السرّ في مثل هذه العقد الاخلاقية والظواهر السلوكية التي تدفع بالتأمل ليُطرح اكثر من سؤال واستفسار في حيز الدراسات الاجتماعية الانسانية ولنقول : اين تكمن العلّة ؟.في ثقافة الفرد العراقي مثلا ؟.ام في وضعه السياسي ؟.ام في الحاجة وعقدة الحرمان لديه ؟.أم في اي شيئ آخر ؟.تغليب حب الكذب على الصدق في ظاهرة المجتمع والفرد ليس امرا عابرا هنا وهناك كي نغض الطرف عنه ليجري الزمان عمليته في اصلاح ما افسده الانسان ؟.وكذا الميل الى الجريمة واللعب بالفساد الى مالانهاية ، وحب المغامرة في تشكيل عصابات للقتل والارهاب والرعب وهكذا اعتبار النهب والسرقة فن وذكاء وشطارة ورجولة عشائرية ، كل هذه ظواهر اجتماعية وفردية لم تزل مسيطرة على الذهن العراقي واخلاقياته الانسانية مع الاسف بشكل غريب عجيب ، وبالمظهر الذي يدفع نظرية العامل السياسي وكيف انه عامل داخل في بناء سلوكيات الفرد والجماعة بصورة اصيلة من منطلق ان التجربة اثبتت ان الفرد العراقي او الجماعة العراقية وليس العامل السياسي او هيئته السياسية هي الداخلة في عامل صياغة وبناء الظواهر الاخلاقية والسلوكية السيئة اجتماعيا ، بحيث اصبحنا نحن المتأملين في فنون المجتمع على مقربة لقلب المعادلة في سؤال : هل السلطة والدولة والحكم هو الذي يتحكم باخلاقيات وسلوك الفرد والجماعة العراقية بحيث ان راس الهرم اذا تغيرّ سياسيا جرّ بعده اخلاق المجتمع نحو التغيير؟.أم ان الفرد والجماعة في العراق هي من تنتج اخلاق الحكم والسلطة والدولة لتنقلب المعادلة جذريا ، ليصبح الفرد هو قائد الدولة في اخلاقها وليس العكس ، ومهما كانت ثقافة الفرد العراقي حول الاشياء فانها منعكسة على اخلاق الدولة بنفس القوّة ، ومافساد الدولة الا انعكاس لفساد رؤية الفرد العراقي نحو غيره ؟.نعم في العراق يبدو ان المجتمع والفرد هو الذي يعطي للدولة اخلاقها ويهب للحاكم صفاته ليضطرنا للقول والحكم : ابدأوا باصلاح الفرد والجماعة العراقية لتصلح الدولة والحاكم والهيئة السياسية فيما بعد ، ولاتلتفتوا الى اصلاح الدولة وشكل تغييرها لان هذا لايغير في المعادلة العراقية اي شيئ بدليل انه ومهما تغيّر اطار الدولة ونظام الحكم والسياسة بقي الفرد العراقي على اخلاقه وسلوكه وظواهره وثقافته مناضلا من اجل سحب الدولة الى اخلاقه وثقافته وايدلوجيته في الحياة ، وليس ان تسحبه الدولة الى مشروع تغييرها وماتبتغيه من صناعة المواطن الصالح !!.
https://telegram.me/buratha