المقالات

القضاء العراقي ومتطلبات الواقع الجديد

1678 22:51:00 2006-07-26

( بقلم المحامي طالب الوحيلي )

لاشك ان القضاء يعد المرآة الصادقة التي تعكس دون لبس واقع البلاد ولعل الذي قيل عن احد الساسة العالميين حين استلم ادارة بلاده ،وهي تغرق في الفساد والخراب انه استفسر عن مؤسستين لا ثالث لهن فيما اذا اجتاحها الفساد ام لا ،وحين اطمأن الى نجاتهما من ذلك الوباء، تفاءل كثيراً وابلغ محيطيه بان البلاد بخير ما دام القضاء لم تطاله تلك الآفة الشيطانية ،فضلاً عن التربية والتعليم .

فالقضاء العادل النزيه الخالي من كل شائبة هو باب اصلاح كل ما تهدم وتهتك لكن الكارثة في العهد المقبور، كانت في دهاليز القضاء وخصوصاً (القضاء السري).او الوجه الخفي لدولة المنظمة السرية الذي اميط عنه اللثام فبان للعيان مدى الجرائم التي ارتكبت عبر هذه المؤسسة ،من خلال المحاكم الخاصة ومحكمة الثورة سيئة الصيت وغيرها، فيما تكمن اوجه الفساد في القضاء العلني من خلال تفشي الرشوة والمحسوبية والعلاقات الخاصة بين القضاة والخصوم ،وقد افرزت ساحة القضاء العراقي عدة فئات من القضاة، منهم القضاة الذين اشتهروا بالعصامية واحترام مهنتهم وتقديسها باعتبارها تكليفاً دينياً قبل ان يكون مهنياً ،وقد تلاشي جل هؤلاء بين التقاعد او الوفاة او الاقالة او السجن، وفئة عرفت بالذكاء والفطنة لكنهم ضعفوا امام رغبات وحاجات الحياة القاسية بعد ان تدنت رواتبهم ومستوى الخدمات المتوفرة لهم حتى تساووا مع ابسط موظفي دوائرهم، وبذلك انهارت تلك القيم والمثل التي حملوها واستمرأوا السحت للاسف،وكانهم امام مقطع مشهور لاحمد معطي حجازي اذ يقول(في هذا العالم المليء بالاخطاء مطالب وحدك ان لا تخطيء..)

ومن طرائف القضاء في ذلك العهد ان قاضي محكمة ايجار الرصافة قد صدر بحقه حكم بتخلية الدار التي يسكنها من قبل محكمة ايجار الكرخ،أي انه طبيب يداوي الناس وهو عليل، اما الفئة الاخطر فهم القضاة الذين تمرسوا في محاكم الطاغية واصدروا ابشع الاحكام وضد ابناء شعبنا من حجز وسجن واعدام، فكانوا مصدر شريعة القتل المقنن وبذلك فانهم يتحملون اوزار ما حكموا في الدنيا الاخيرة..

بعد سقوط الحكم الصدامي، كانت اول بوادر البحث عن معالجة صائبة كهذه المؤسسة بما تحمله من نذير لا نقول شؤم بل قلق كبير من معالجة الفساد الاداري والانفلات الامني.. وقد وضعت لذلك معالجات خطيرة منها اجتثاث بعض القضاة الذين شاعت ممارساتهم الخاطئة او الذين شملوا بقانون اجتثاث البعث فيما جرى تعيين اعداد جديدة من القضاة على امل سد الفراغ الحاصل نتيجة استشهاد بعضهم بسبب انفلات الوضع الامني الذي طال القضاة انفسهم، او بسبب اتساع رقعة الدوائر القضائية واختصاصاتها الجديدة..الخ، ان ما فقده القضاء العراقي خلال العقود الاخيرة السابقة لسقوط الطاغية، من استقلالية ادت الى النيل من نزاهته وتردي كفاءته وانحطاط سمعته وشفافيته حتى صار الجزء الضعيف من السلطة التشريعية والتنفيذية الفاسدة بدل ان يتمتع باستقلالية مطلقة تكفلها الدساتير، ناهيك عن ان الدستور المؤقت الذي تختبئ وراءه السلطة هو مجرد حبر على ورق وعرضة لاهواء الطاغية يغيره كيف شاء ويبدله او يطبقه كيف ما يريد.

فكان لابد من العمل لاعادة القضاء الى مكانته الحقيقية التي ينبغي ان يكون عليها شرعاً وقانوناً،كسلطة مستقلة لا سلطان عليها الا القانون وذلك من خلال التقيد باحكام الدستور العراقي الدائم الذي تكفل للقضاء ارقى المبادئ التي تجعله اهم سلطة مستقلة في العراق، وايجاد الضمانات الكافية لحماية هذا الاستقلال وصيانته، والحيلولة دون كل ما يؤثر على سير العدالة، فضلاً عن تطهير الاجهزة القضائية المختلفة من العناصر الفاسدة وتطبيق اقسى العقوبات بحق كل من تسول له نفسه المساس بهيبة القضاء وسلطانه.ولان القاضي هو مصدر الحكم العادل ومثال تحقيق العدالة فقد فكان لابد من رفع مستواه المعيشي بصورة تليق بهذه المهنة الشريفة وما يجب ان يوفر للقاضي من متطلبات الحياة من امن وسكن وخدمات تجعله محصنا عن الحاجة للناس.

وليست النزاهة هي معيار رقي القضاء فحسب وانما يجب ان تتوفر الكفاءة في القضاة وفي بقية اجهزة هذه السلطة ،والسعي الى تطوير الكوادر القضائية بما يتلاءم ويرتقي الى مستوى الرقي الحضاري الذي بلغه القضاء العالمي، من حيث الشؤون الفنية والمعلوماتية والادارية ،وعلى مستوى المنشآت العمرانية،ووضع الخطط العلمية المناسبة لتوفير المناخات المتطورة عبر الابنية التي تليق بهيبة ورهبة القضاء ،بعد ان افتقرت ابنية المحاكم العراقية في بغداد والمحافظات الى ابسط مظاهر الرقي التي بلغتها افقر دول الجوار .

كما ينبغي تطوير المناهج التدريسية لكليات القانون والمعاهد القضائية،واعادة النظر باساليب التدريس والاهتمام بالاساليب التطبيقية بما يتلائم والواقع المهني على صعيد القضاء والادعاء العام والمحاماة ، والاهتمام بمهنة المحاماة كجزء لا يتجز من القضاء كونه القضاء الواقف .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك