محمد عبد الجبار الشبوط
الوضع في العراق ملتبس. فلا اشكال في شرعية النظام السياسي المنبثق من الدستور. النظام السياسي هو الدستور، ما فيه وما يتفرع منه. او قل ان النظام السياسي ينبثق من الدستور و يستمد شرعيته من الدستور. والدستور يستمد شرعيته من الاستفتاء العام. فاذا صوتت اغلبية الناخبين على الدستور اصبح الدستور شرعيا ومشروعا. في عام ٢٠٠٥ صوت اغلبية الناخبين العراقيين لصالح الدستور، بما فيها المادة (١٤٤) التي تقول:"يعد هذا الدستور نافذاً بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام ونشره في الجريدة الرسمية". والدستور يقول: ان دولة العراق "نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي". قضي الامر فيما يتعلق بهذه النقطة.
شرعية الحكومة امر اخر. انها شرعية تستند الى الانتخابات الدورية، وذات ولاية محددة باربع سنوات. انها عبارة عن التخويل المعطى من الناخبين او من البرلمان الى شخص بعينه او حزب بعينه او مجموعة افراد بعينهم (الوزراء) للحكم وادارة شؤون البلاد لفترة محددة.
يستطيع الشعب ان يسقط الحكومة بالانتخابات القادمة، او بسحب الثقة منها في البرلمان، او حتى بالضغط عليها عن طريق التظاهرات والاعتصامات الخ لاجبارها على الاستقالة، كما حصل لحكومة عادل عبد المهدي، التي سقطت بسبب تظاهرات تشرين. لكن سقوط الحكومة لم يؤدي الى اسقاط النظام نفسه. ولكل من هذه الخيارات كلفته وحسناته وسيئاته.
لا اشكال في وجود ثغرات ونواقص في الدستور، ولا شك في وجود ممارسات ومظاهر توصف بانها ديمقراطية مثل الانتخابات الدورية وحرية ممارسة العمل السياسي وتشكيل الاحزاب وحرية الاعلام. ولهذا كانت الاوساط الاكاديمية العالمية تصف النظام السياسي في البداية بانه ديمقراطي. لكن تصرفات الحاكمين منذ عام ٢٠٠٣ الى اليوم (المحاصصة والفساد وتدني مستوى الاداء) ادت الى الغاء الصفة الديمقراطية تدريجيا حتى صارت نفس الاوساط الاكاديمية العالمية تصف الحالة في العراق بانها اوتوقراطية انتخابية. ومعناها انحصار السلطة بعدد دائم وقليل من الاشخاص بغطاء انتخابي، وبعضهم غير منتخبين اصلا. وازاء هذه الحالة قد ينقسم الناس الى ثلاثة اقسام: الناس غير المبالين وغير المكترثين، الناس الذين يتقبلون هذا الوضع بسلبياته وايجابياته، الناس الذين يريدون تغيير الوضع الراهن واقامة حكومة ديمقراطية حقيقية وكفوءة وقادرة فعلا على تحسين نوعية الحياة ومحاربة الفساد وتعزيز الديمقراطية. حتى الان لا يعتبر اي قسم من هؤلاء لاعبا اساسيا في المسرح السياسي، لان اللاعب الوحيد هم الاوتوقراطيون المتلحفون بالانتخابات الماسكون بزمام السلطة والمال (والسلاح احيانا).
وبناءً على العناصر المشار إليها، يمكن القول إن النظام السياسي العراقي الحالي اقرب إلى الاوتوقراطية الانتخابية electoral autocracy . هذا يعني أن هناك نظامًا انتخابيًا يتم عبره اختيار الحكومة ومجلس النواب. ومع ذلك، لا يزال هناك قوى سياسية وشخصيات مهمة تمارس سيطرة كبيرة على السلطة والقرارات الحاسمة في البلاد، مما يلقي بظلال على مدى التمثيل الشامل والحريات السياسية المضمونة. اضافة الى اتباع طريقة المحاصصة السياسية والطائفية التي كانت مرتعا خصبا للفساد السياسي والاداري والتالي، وبالتالي سوء الاداء وتدني الخدمات. واذا كانت "المرجعية الدينية" ضمير الامة، فان المرجعية غير راضية عن اداء حكومات هذا النظام السياسي. وكان اخر تعبير عن موقف المرجعية الدينية ما قاله السيد السيستاني عند استقباله عدد من المواطنين من أهالي منطقة الجادرية الذين سبق أن ظهروا في وسائل الإعلام واشتكوا مما يتعرضون له من ضغط وتهديد للتخلي عن أراضيهم لصالح بعض الجهات حيث "ادان سماحته هذه الممارسات المخالفة للشرع والقانون، مؤكداً أن من أهم واجبات من هم في مواقع السلطة وبيدهم زمام أمور البلد هو حماية ممتلكات المواطنين وحقوقهم، والوقوف في وجه من يسعون في التعدي عليها بالإرعاب والتخويف ولا سيما من يحملون صفات رسمية" كما قال بيان رسمي لمكتب سماحته.
والسؤال المطروح الان: هل المطلوب الان تغيير النظام السياسي ام تطويره؟
رأيان: الاول يقول باسقاطه، والثاني يقول بتطويره ولكل رأي اسبابه وحججه.
علما ان اسقاط النظام السياسي يكون باحدى الطرق التالية: الثورة الشعبية، الانقلاب العسكري، التحلل والسقوط من داخل النظام، الغزو الخارجي.
اما تطويره فيتم عن الطريق الدستوري الديمقراطي عن طريق الانتخابات.
برأيي ان تطوير النظام السياسي افضل من اسقاطه للاسباب التالية:
السبب الاول لان تطوير النظام اقل كلفه من اسقاط النظام باحدى الطرق المذكورة.
والسبب الثاني لان هناك عناصر متوفرة حاليا يمكن الاستناد اليها في تطوير النظام اهمها الدستور الحالي. والدستور الحالي يتمتع بميزتين، الاولى انه دستور مصادق عليه شعبيا. فهو شرعي. والثانية ان هذا الدستور رغم عيوبه وثغراته فانه يحتوي على نقاط ايجابية (خاصة المادة الاولى والثانية و الباب الثاني وغير ذلك) يمكن تفعيلها واستثمارها لتطوير النظام السياسي. وهذا يحيلنا الى الانتخابات التي يمكن استخدامها مرة ومرتين وثلاث .. الخ الى ان يحصل التطوير والتغيير. وهذا كله اقل كلفة من الثورة الشعبية، او الانقلاب العسكري، او الغزو الخارجي، او التحلل الذاتي.
هذا على ان يكون نموذج التطوير وهدفه هو اقامة الدولة الحضارية الحديثة.
https://telegram.me/buratha