رياض البغدادي ||
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿14﴾ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴿15﴾ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴿16﴾﴾ سورة النور
﴿وَلَوْلَا﴾ ههنا لامتناع الشيء لوجود غيره وأما ﴿ أَفَضْتُمْ﴾ يقال أفاض بالحديث أي خاض وزاد وفي المعنى وجهان:
الأول: لولا نعمتي التي أتفضل بها عليكم لكانت عقوبتكم عظيمة لِما أقدمتم عليه من أمر الإفك.
والوجه الثاني: الفضل هو تأخير العذاب الذي في مثله لكان عاجلاً، فأي فضل عظيم تفضلت به عليكم أن منحتكم فرصة التوبة.
قوله تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴿15﴾
﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾ أي يأخذه بعضكم من بعض، وقيل هي من (الأَلْقُ) وهو الكَذِب. واعلم إن الله تعالى وصفهم بإرتكاب ثلاثة آثام، الأول هو تلقي الإفك والقاؤه الى غيره مما سبب إشاعة الفاحشة، والثاني أنهم كانوا يتكلمون فيما لا علم لهم به ﴿ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم﴾ الإسراء 36 فإن قيل ما معنى قوله ﴿بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ والقول لا يكون إلا بالفم؟ والجواب: ذلك لأن الأمر لم يكن معلوماً مستقراً في القلب، فكان مجرد ظن وقول بالفم ،كما في قوله تعالى ﴿يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم﴾ آل عمران 167، وأما الإثم الثالث إنهم كانوا يستصغرون هذا الذنب الذي ارتكبوه ،وهو عند الله عظيم ،ويُعَد من الكبائر، ويدل على كونه من الكبائر أمور ثلاثة: الأول أعطته الآية صفة العظيم في قوله تعالى ﴿وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾، الثاني إن عِظَم المعصية لا يختلف بظن مرتكبها ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا﴾، والثالث يجب على العبد أن يستعظم ذنوبه وإن كانت صغيرة.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴿16﴾
هذه الآية تحظ المسلم على التزام الأخلاق والآداب، فالمعنى هلّا امتنعتم عن التكلم في الإفك وترك الأمر لله؟ وإنما وجب عليهم الامتناع عن التكلم بالإفك لوجوه: الأول يفترض أنهم أصحاب دين وعقل فيردوا الأمر الى النبي ويخبروه قبل أن يذيعوه بين الناس" وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ " النساء 83، الثاني هو نشرهم الخبر الذي تسبب بإيذاء للنبي (ص) وآله، الثالث هو إيذاء لزوج النبي، الرابع هو فعل يؤدي الى الضرر، والعقل يستوجب منع الضرر، الخامس هو تضييع للوقت والجهد والانشغال في ما لا يعنيه، السادس إن ستر مقابح الناس خُلُقٌ يحظّ الله تعالى عليه، فإن قيل كيف جاز أن يفصل بين لولا وبين قلتم بالظرف؟ قلنا الفائدة فيه أنه كان الواجب عليهم أن يحترزوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به.
﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ لفظ سبحانك وردت لإفادة التعجب، وقد يسأل سائل: كيف يعلمون أنه بهتان عظيم، فيطلب الله منهم أن يقولوا به ؟ نقول ان البهتان من (البهت) وفي التنزيل قوله تعالى " فبُهِتَ الذي كَفَر " البقرة 258، وهو الوقوع في الحيرة والدهشة التي يكون فيها الإنسان بين مُصَدِّق ومُكَذِّب، فالعاقل لا يشيع شيئاً يؤدي الى ان يبهت المجتمع ويحتار فيه، فالآية تأمر كل مؤمن، أن يقول لصاحب الشائعة ويُذَكِّره بأن فعله هذا يؤدي الى إدخال الناس في الحيرة والشك، وهو ليس من فعل المؤمن وأخلاقه.
والله العالم
ـــــــ
https://telegram.me/buratha