كوثر العزاوي ||
ليس للحياة قيمة إذا لم نجد فيها شيئاً نجاهدُ من أجله، أمرًا ننتظره، ولن تحلو من دون هدفٍ نحيا لأجله، كما لاتطاق من غير غالٍ ونفيسٍ نضحّي ونبذل له الأغلى! وماعدا ذلك فلانبالي كم مضى من العمر وكيف مضى، في عافية أم شقاء!! فقد تقصُر الحياة وقد تطول، وكل شيء مرهون بالطريقة التي نحياها بها والنهج الذي نسير عليه خلال مسيرة الحياة، ولعل أفضل محطات العمر: أن تُشرقَ حياةُ الانسان بالعِبر البالغة والدروس النافعة، وتسطع حركته بالبصيرة النافذة والأثر الجميل والموقف المؤثر، وكم اقتربَ من الربّ الكريم ليحضى بِمنحةِ رضاه!
{اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} الحج ٧٥.
ولايتأتّى ذلك إلّا حينما يعيش المرء كلّه لله والاسلام، رساليًا معطاءًا ناكِرًا للذات، لايفكّر بالغنائم والمكاسب الدنيوية والأرباح المادية وكم ينال من اللذائذ والرغبات، بل يعيش تمامًا كما عاش أئمتنا المعصومين"عليهم السلام" ومَن هم أسوة لنا!
{اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}الأنعام ١٢٤.
ومن هنا، يصبِح لزامًا علينا الاقتداء بهم لو كنا صادقين بولائنا لهم! فلو تتبّعنا حياة آل محمد "عليهم السلام" وأتباعهم وأسفار علماء الشيعة المقتدون بهم، لرأينا كيف دأبوا على أن يعيشوا أحرارًا، فكانوا والى يومنا هذا للناس مُلهِمين، وكرّسوا عِلمهم وحياتهم في خدمة الدين ونشر الفضيلة، فأصبحوا للمجتمعات آباءٌ وأُباة، وللدين قادة وهداة، وثبَتوا في الدفاع عن الحق وحقوق الشعوب المظلومة، فاختارتهم الشعوب لها قادة، ورضِيَت بهم حُماةً وسادة! وعندما نستذكر ثلة كبيرة من أولئك الرجال الأحرار الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه، سواءَ مَن رَحَلوا ومَن لايزالوا ينتظرون، ثم نستعيد حركتهم في الواقع الإسلامي، فإننا نستوحي منهم ضرورة الحضور في ساحة الصراع على جميع الصعد، علاوة على الإستفادة من حياتهم دروسًا تنمّي لدينا الشعور بالولاء عبر تحمّل المسؤولية والقيام بوظيفة التبليغ والدفاع والتبيين من غير فرقٍ بين النساء والرجال بدافعِ قوله عزوجل:
{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ..} آل عمران١٩٥
فيُصبح واجب علينا الحضور في ساحة المواجهة طالما رضينا بالقرآن والعترة "عليهم السلام" نهجًا ومنهجًا، واستوعبنا تعاليمهم، فما علينا سوى امتثال حركتهم ومتابعة سيرتهم قولًا وفعلًا وتقريرًا، لأنهم يمثّلون الشرعية في كلّ ما انطلقوا به من عملٍ في مسارح الحياة
سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا وعلى مستوى الأسرة والتغيير والبناء، وكيف نفهم المعارضة وشجب الظلم والتصدّي للانحرافات ومقاومة الباطل، وهذا عين مانؤمن به وهو من صميم عقائدنا، كما نعتقد بأنّ الإنسان الرِّساليّ هو الذي لايعيش
لكي يأكل وينام فقط ويُنجِب! وإنما يأكل ويأخذ من الدنيا بمقدارٍ لكي يعيش، فهو يَحيا لأجلِ قضيّة مقدسة على أمل أن يموت من أجلِ ذات الهدف السامي، فعليه الخروج عن حياة البهيمية ولتتجلّى مطالبَه في هذه الدنيا على هذا الأساس، منصهرًا في الحق بكل أبعاده وموارده، حتى يراه الله وكل مَن يعرفهُ كما هو، معدنه الجواهر المتلألئة المتجسّدة في قوله وفعله وحركته في المجتمع ومع الله، قويّ الشكيمة زكيّ النفس نقيّ الضمير حَسَن الأثَر والمسير، وماهذا النتاج المثمِر إلّا نتيجة طبيعية لمقدمات ناصعة على غرار هذا الغرس العلويّ المبين:-
{إصبر على مرارة الحقّ، وإياك أن تنخدِع لحلاوة الباطل}..غرر الحكم
٢٥جماد الآخر١٤٤٤هج
١٨-١-٢٠٢٣م
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha