نور الدراجي ||
ان اتصاف الإنسان بكونه من الصَّالحين أسمى من اتصافهِ يعمل صالحاَ، فألصّالح هو المتُقوَّم ان الصَّلاح بطبعهِ، فلا يُفكر الإ في الصَّلاح، ولا يَهْم الإ بالعمل الصّالح، ولا يُصدر منهُ الإ ما هو صالح لأن الصَّلاح مُتمركز فيهِ بحيث اصبح طبعا له.
واذا نظرنا إلى شخصية تلك المرأة الجليلة المؤمنة الصابرة العالمة العارفة، طيب الله ثراها ونوَّر ضريحها، فهي تعد من اولئك الصالحين اللذين أشير لهم بقوله تعالى ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69]
فإن ام البنين صلوات الله عليها وعلى أبنائها الشهداء، لشدة تعلقها بالإمام المعصوم تعلقاً جعلها تنسى افلاذ كبدها في سبيل الإمام المعصوم، وهذا لم ترويه الكتب المتأخرة فقط وإنما روته حتى الكتب المتقدمة، فلقد روى الشيخ يحيى الشجري الجرجاني في كتابه الأمالي الخميسية وهو من علماء القرن الخامس حيث توفي 499 هجرية، روى أن الإمام الحسين بكي عليه خمس سنين وكان ممن يبكيه ويندبه أم البنين وهي أم جعفر الكلابية، وقد كف بصرها حتى كان مروان يتقصد موضع جلوسها وبكائها على الحسين.
فالمرأة التي لا تُفكّر في أولادها وهم أفلاذ كبدها، وإنما كلّ حزنها وغمها على الحسين (عليه السلام) فإن ذلك يكشف عن فنائها في الإمام المعصوم وذوبانها فيه، مما يكشف عن أسمى درجات الولاء للإمام المعصوم، وبالتالي فهي تُعلمنا جميعاً درساً تربوياً في الإخلاص لمنصب الإمامة والولاء لإمام زمانها، وهو يقتضي بذل النفس وبذل الجهد وبذل المال والتضحية بكلّ غالٍ ونفيس في سبيل هذا المنصب العظيم، الذي ضحى من اجله أهل البيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، منذ يوم الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، وعلى ابنائها الطيبين الطاهرين إلى يوم الإمام الحسن العسكري صلوات الله وسلامه عليه.
وهذا يُشير إلى سمو روح هذه السيدة الإلهية وطهارة نفسها، ونقاوتها وتقواها، التي أوصلتها إلى هذه المرتبة من الذوبان بسيد الشهداء (عليه السلام) حتى إنها تخلت عن اسمها، رعاية لمشاعر ذرية بيت النبوة والإمامة، وفدته بذراريها، وهل هناك أحب للأم من أبنائها؟! إلا أنها صنعت منهم درعاً وحصناً حول قلبها ووهبتهم لربها قرباناً ليبقى وجود حب إمامها حياً بقلبها ومحيّاً لوجودها بعد رحيلها، حيث ورد أنه لما رجعت القافلة للمدينة بعد واقعة كربلاء أنها قالت: قَطَعت نياط قلبي أولادي الأربعة، ومن تحت الخضراء فداء لسيدي أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)
لقد كانت أم البنين القدوة الحسنة والمثل الأعلى والمدرسة التي ينهل منها الرجال والنساء عبر مواقفها التى خلدها التاريخ، بمواقفها ضربت اروع دروس التضحية والفداء، كانت صلوات الله وسلامه عليها عنواناً للثبات والبسالة والاخلاص والشرف والعزة والطاعة، والانقياد لأهل بيت العصمة الطاهرة، هذه السيدة المصون، التي ترفعت عن كل خصال المرأة الفاشلة والتافهة فضلا عن كثير من خصال النساء اللواتي لم يدركن ويستفدِن من العناوين الناصعة المشرقة في تاريخ المرأة العقائدية، ذوات المُثُل والشرف والتضحية لتجد نفسها غير مدركة لابعاد عقيدتها، ومايترتب عليها من تكاليف شرعية يثبت لها منزلة ومقاما محمودا عند الله تبارك وتعالى وعند إمام زمانها.
وبالجدير على النساء اللواتي يرِدنَّ الوصول الى مقام العزة والرفعة، السير على نهج الصالحات الخالدات بالمواقف والتضحية والعمق العقائدي والرسالي، وما يترتب عليه من سير وسلوك وعفة وطاعة مطلقة لامام زمانها، كما تحلّت صاحبة الذكرى ام البنين سلام الله عليها بكل الخصال السامية، والفضائل العظيمة٠
فسلامٌ على تلك المرأة النجيبة الطاهرة، الوفيّة المخلصة التي واست الزهراء (عليها السلام) في فاجعتها بالحسين (عليه السلام) ونابتْ عنها في إقامة المآتم وشاركتها المصاب.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha