نصير مزهر ||
عرف جوزيف ناي القوة الناعمة بأنها " القدرة على الحصول على ما تريد، عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين، للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية والصلبة، وهذا ما حصل مع الاتحاد السوفياتي حيث تم تقويضه من الداخل، لأن القوة لا تصلح إلا في السياق الذي تعمل فيه، فالدبابة لا تصلح للمستنقعات، والصاروخ لا يصلح لجذب الآخرين نحونا .
التعريف الثاني للباحث الدكتور فخري الدباغ الحرب الناعمة: بأنها شن هجوم مبرمج على نفسية وعقل العدو سواء كان فرد أو جماعة، لغرض أحداث التفكك والوهن والارتباك فيهما، وجعلهما فريسة مخططات وأهداف الجهة صاحبة العلاقة، مما يمهد للسيطرة عليها، وتوجيهها إلى الوجهة المقصودة ضد مصلحتها الحقيقية، أو ضد تطلعاتها وآمالها في التنمية، أو الاستقلال أو الحياد أو الرفض.
تشمل الحرب الناعمة كافّة الإجراءات والتدابير النفسيّة، والدعائية الإعلامية، والثقافية التي تستهدف مجتمعا وجماعة ما، و تقوم بجر الخصم إلى حالة انفعال أو هزيمة، دون اللجوء إلى الإشتباك العسكري، أو استخدام العنف، وتسعى الحرب الناعمة إلى تهديم الأفكار، وعقائد المجتمع المُستهدف، كي تضعف حلقاته الفكرية، والثقافية، وإلى إيجاد التزلزل والاضطراب في النظام السياسي والاجتماعي الحاكم، من خلال القصف الخبري الإعلامي والدعائي، وتغطي الحرب الناعمة شريحةً واسعة بدءا من إجراءات الحرب الإلكترونية، وأنشطة الإنترنت، وحتى افتتاح وتشغيل القنوات التلفزيونية، والإذاعية، والمواقع الشبكية في الفضاء الإفتراضي، وموارد أخرى ومن التعاريف المقبولة إلى حد ما.ط
إذا كانت القوة الصلبة هي التي تسيطر على المظاهر الخارجية للإنسان، والمجتمع من خلال الحروب، واستخدام السلاح، حيث تقهر الإنسان، والمجتمع على الخنوع والاستسلام، فالقوة الناعمة هي التي تسيطر على الإنسان والمجتمع، من خلال التحكم بمشاعره وعقله وعواطفه، من دون استخدام الاجبار، والاكراه والسلاح، بل من خلال انجذاب الإنسان إليها طواعية.
حدد جوزيف ناي المنظر الأول لمصطلح القوة الناعمة هذه الموارد بثلاثة محاور: ١_القيم والمؤسسات الأميركية،٢_جاذبية الرموز الثقافية والتجارية والإعلامية والعلمية الأميركية، ٣_صورة أميركا وشرعية سياساتها الخارجية وتعاملاتها وسلوكياتها الدولية، ومن أساليب الحرب الناعمة منها : (الدعاية ضد معتقدات الخصم / الإشاعة / بث الرعب / الخداع / افتعال الأزمات / أثارة القلق / إبراز التفوق المادي والتقني والعسكري / التقليل من قوة الخصم والعدو / التهديد والوعيد/ الإغراء والإغواء والمناورات / الاستفادة من التناقضات والخلافات / الضغوطات الاقتصادية / إثارة مشاعر الأقليات القومية والدينية / الاغتيالات / تسريب معلومات عسكرية وأمنية وسياسية حساسة عن العدو في الصحافة / الإفصاح عن امتلاك نوعية خاصة من الأسلحة الفتاكة وغيرها من الوسائل طابعها العام عسكري أو شبه عسكري.
تعتمد الحرب الناعمة على نفس الأهداف مع اختلاف التكتيكات التي أصبحت تكتيكات ناعمة، فبدلاً من تكتيكات التهديد تعتمد الحرب الناعمة على الجذب والإغواء عبر لعب دور المصلح والمنقذ، وتقديم النموذج الثقافي والسياسي وزرع الأمل بان الخلاص في يد أميركا، المانحة لحقوق الإنسان والديمقراطية، وحريات التعبير، وما شاكل من عناوين مضللة للعقول ومدغدغة للأحلام وملامسة للمشاعر، وبدلا من استعراض الصواريخ أو بث الرعب عبر الإذاعات، والمنشورات للفتك بإرادة العدو يتم إرسال أشرطة الفيديو أوالأقراص الممغنطة أو صفحات الفيسبوك وتويتر وقنوات اليوتيوب للشباب والأطفال والنساء والرجال كل حسب رغباته ومعقولاته.
رؤية السيد الخامنئي في الحرب الناعمة (و قد بلورت لجنة تخطيط السياسات في الخارجية الأمريكية بالتنسيق مع الجهات الأخرى في الإدارة الأمريكية سياسات جديدة تم وضعها قيد التطبيق منذ سنوات في إطار مشروعين اثنين:
1 مشروع Century statecraft st21 صناعة الدول في القرن الحادي والعشرين بهدف إحداث التغييرات في البنى السياسية لبعض الدول، وخاصة المناوئة لأمريكا من خلال توظيف التكنولوجيا الاتصالية، والإعلامية، عبر تشكيل قوى سياسية ومدنية، وشبابية في ساحة الخصم تؤمن بالأفكار، والقيم والسياسات الأمريكية، ويتم التواصل معها عبر الإنترنت، ووسائل الإعلام، ويمكن ترميز هذا المشروع بما أطلق عليه إعلاميا بثورة الديمقراطيات الرقمية.
٢ مشروع Diverting The Radicalization Track ويقوم على "إعادة توجيه و مضمار التطرف "ويعني الاتصال بالبيئة السياسية للجماعات، والنظم المتطرفة، والمعادية وفتح حوارات معها عبر جهات ثالثة أو من خلال واجهات مدنية والسعي لتوجيه زخمها وامتصاص عنفها وتحويل حراكها وإشراكها في إطار اللعبة الديموقراطية بما يخدم المشروع
الأمريكي، وقد ساعد على إرساء وتصميم هذه المشاريع والسياسات شخص مغمور في الإدارة الأمريكية، وهو الرجل الأصغر سنا في الإدارة الأمريكية والأكثر ابتكارا للأفكار
والسياسات عنينا به مدير قسم غوغل للافكار google idea ورئيس قسم تخطيط السياسات في الخارجية الأمريكية جارد كوهين jard Cohen.
وعلى هذا الضوء ندرك أن مصطلح الحرب الناعمة ولد في سياق المحطات الكبرى، والحروب، والأحداث العسكرية المفصلية لنهايات القرن العشرين، وبدايات القرن الواحد والعشرين، وتحت تأثير قفزات التطور الهائلة التي حدثت في عالم وسائل الاتصال، والإعلام وهو منتج جديد مبتكر، ومشتق من روح الحرب الباردة، ولكن بغلاف جديد وبتقنيات وآليات، وسياسات، ومشاريع جديدة، وموجه إلى جمهور جديد، وبمواجهة عقيدة جديدة هي الاسلام، وضد البلدان وقوى جديدة خاصة ايران، وسوريا، وقوى المقاومة، والممانعة، ضد المشروع الامريكي الاطلسي الاسرائيلي في المنطقة.
https://telegram.me/buratha