الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||
التغير والتطور مفهومان نسبيان لا يمكن تعميمهما على العناصر النصّية المكونة لمجموعة المفاهيم التى تُبتنى بإثرها انسقة عقدية وأنظمة فكروية بل حتى المناحي الخلقية ، وتشكل منهجاً وقائداً لحركة التاريخ البشري ، لا سيما إذا انطلقنا من رؤية إسلامية كونها نظرية ذات فهماً ثابتاً وآخر متغيراً وهذا التغاير متأتِ من تفاوت النص نفسه بين الدلالة القطعية والدلالة الاحتمالية أو بين الدلالة الصريحة والدلالة الضمنية أو بين الدلالة الواضحة والدلالة الغامضة ، وهذا التغاير فسح المجال لانتقائية مقيتة ركّزت في منظومتها الفكرية على أساس واحد وهو المُتغير تاركةً الثابت لغايات عدمية اجتثاثية لنص الثابت اليقيني مما ولّد قراءات نصّية انطلقت واتكأت على المؤول دون النص نفسه باعتبار أن النص ـ كما تعتقد المدرسة التفكيكية ـ إنّه نتاج تشكيل مجموعة من النصوص أفرزت لنا هذا النص المتسم بالتغير الدلالي فضلاً عن المعنى لا سيما إذا اخذنا ان القراءة للنص هي ايضا مولّدة لنص آخر هذا من جانب، كما انه لا يمكن فهم المتغير مالم يُسبق بثابت بل لا بد من وجود الثابت لأن الأساس الذي تستند عليه القراءات حتى المؤول الإسلامي ينطلق من الاصالة النصية وإذا اغضضنا النظر عن الثابت فمعنى ذلك اننا نعيش في سماء التأويل العشوائي ( فوضوية المعنى ) ولايمكن أن نحكم بصحة هذا أو ذاك مادام الثابت غير موجود ثم أن القراءة المعاصرة للنصوص لا يمكن ان توفّق دون الرجوع النص الاصلي ( الثابت / المؤسس ) لأن الانطلاقة التغييرية للقراءة والمعنى المتولد بإزاء الناتج الفكري للنص وجدت النور من خلال الثابت وليس العكس وهذه القراءات لا تُفهم على إنها نسخ او اجتثاث للمنظومة الفكرية ( الثابتة) بقدر ماهو تفاعل حيوي من داخله ليواكب التطور والتحولات ـ التبدلات ـ للحياة إذ أن الانطلاق والعودة يكون من النص وإلى النص ، وهذا ما قرره أساس قرآني متين لا يمكن أن نطوي كشحاً عنه إذ أُسس للثابت بقوله (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ) فاطر / 43 ، وفي تقديري إن محاولة إزاحة الثابت والمجيء بالمتغير ليحل محله ما هي إلا تأسيس لفكر يتخذ طابع الهجوم على الفكر الإسلامي وإنزال النص القراني المنزل البشري بسلخ الانتماء والنتاج الإلهي الذي يشكّل عقبة كأداء في طريق المتصيدين بالماء العكر من جهة أخرى .