منار العامري ||
مع حلول اول خيوط الفجر البنفسجية، وهبوب نسيمه البارد الممزوج بموجات الدفء التي تبثها المدفأة، طرقت اُذُنَـيَّ اصوات ابريق الشاي، الذي كان سعيداً في كفّ امي، وهي تجول به مابين الكؤوس، لتسكب فيه من حنانها شيئاً، لعلّنا نهجر بقايا النعاس العالقة في اجفاننا قبل موعد المدرسة.
ايقظني صوت والدي، الذي كان لا يعطر صباحنا الا بذكر سيرة اهل البيت عليهم السلام، فكانت حصة ذلك الصباح ان يتعطر بسيرة الامام الصادق عليه السلام.
تحدث والدي عن كرامات الامام الصادق عليه السلام، ومعاجزه، واسراره، وسيرته الزاكية، فدخل قلبي الهم والحسرة، وقلت لوالدي والدموع تترقرق في عينَيّ:
كم اتمنى ان يكون في زمننا هذا، إمام معصوم كالائمة السابقين، يمشي ويأكل ويتنفس معنا على هذه الارض!
فأجابني والدي بأن ما اتمناه متحقق فعلاً وان هنالك امام باقٍ منهم يعيش معنا ويشتاق الينا، فأدهشني قوله..! فقلت:
ومن هذا الامام يا ابتي؟
قال:
انه الامام الثاني عشر الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
كُنت اعلم ان هنالك امام ثاني عشر، ولكن لم اكن اعلم بأنه حي يرزق، ويعيش معنا ويأكل مما نأكل ويمشي على الارض بجسده، ويشتاق الينا ويبكي علينا.
بل كانت الصورة بالنسبة اليّ يغشوها الضباب، فتارة كنت اتصوره كعيسى بن مريم عليه السلام في السماء، وتارة كنت اتصوره بهيئة شفافة كالروح مثلاً، وتارة وتارة وتارة...الخ
كنت حينها في السادسة او السابعة من عمري، وقد طبعت تلك الصدمة اثرها في القادم من ايام حياتي، حيث بدأت رحلة حبي لامام زماني وبحثي عن معشوق عشقه اهل السماوات والارض، فأنعم الله عليّ بأن جعلني معهم وضمن ركابهم.
قرأت كل ما يتعلق بهذا المحبوب الغائب عن اعين الناس، الحاضر في قلبي، بحثت عنه في بطون الكتب، وتحت المنابر، وفي صحن الحسين عليه السلام، وبين اريج الزهور، وفي كل جمال كنت اراه حاضراً.
قرأت واستمعت لكل من تكلموا عن الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف، سماحة الشيخ الكوراني حفظه الله، وسماحة السيد محمد الحلو رحمه الله، وسماحة السيد محمد الصدر رحمه الله، وسماحة السيد سامي البدري حفظه الله، وختمتها بسماحة الشيخ جلال الدين الصغير حفظه الله.
وجدت ضالتي بعد ان تعرفت على اعظم قضية في الوجود، وهي قصة غائب يبحث عن انصار فلا يجدهم، غائب قد رحل عنه كل اهله فلم يبقَ له سوانا..!
غائب قد ضحى بأمه فأصبحت سبية اسيرة من اجلنا..!
عذراً يا صاحب الزمان..
غائب ينتظرنا ولا ننتظره، يحبنا ويتلهف اشتياقاً للقائنا، ونحن في غمرتنا ساهون، فزاد عشقي له، وحزني عليه، وشوقي للقائه، فقررت ان امهّد له الطريق، واستنقذ ايتامه الذين رحل عنهم وصاروا في معرض الرياح، تتلقفهم ذئاب الحركات الضالة المنحرفة، التي تكاثرت بعد ان تم تغييب راعي الامة، الحجة المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
هذه قصة حبي له، والتي احسب انني على مشارف نهاية سطورها، لاننا نعيش اخر سنيّ الغيبة المظلمة، والتي سيبزغ فجرها قريباً بظهور الامام المهدي عجل الله فرجه، كما بزغ فجر ظهوره في قلبي يوماً ما في تلك الصبيحة.
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha