مهند ال كزار ||
إن أختلافا في الرؤى والأهداف بين كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية أدت بشكل واضح إلى تبني نوع من العلاقة تميزت بالمنافسة والتضاد, فالرياض تسعى إلى تبني سياسة تحافظ من خلالها على الوضع القائم في المنطقة, ومواجهة أهداف طهران التي ترى أنها تعمل على تغيير الوضع بما يتناسب مع ثورتها الإسلامية, لذلك وجهت كلا منها أسلحتها الإعلامية لتحقيق هذا الغرض أو ذاك, حيث تقود كل منهما الحرب الباردة في الشرق الأوسط, للسيطرة والنفوذ في كلا من سوريا واليمن وفلسطين والعراق ولبنان والبحرين.
إلا أن سياق تطورات الأحداث الحالية في منطقة الشرق الأوسط جاءت متوافقة ومتسارعة بشأن إمكانية حسم الخلافات بين البلدين, لا سيما أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أعتمد أسلوب التهدئة في جميع ملفات المنطقة, كما أن لكل طرف من الأطراف دوافعه في تهدئة الوضع في المنطقة, فالجانب الإيراني يسعى إلى تقليل الآثار التي نتجت عن تطبيع بعض دول الخليج مع إسرائيل, وهذا يساهم في تقليل جهد المواجهة في منطقة الخليج العربي ويثبت الدور الإيراني فيه.
أما الدافع السعودي يكمن في رغبة المملكة في تعزيز دورها ومكانتها التي كانت تتمتع بها قبل الحرب في اليمن, وخوفها من توصل الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي, بعد أن انسحبت منه واشنطن بشكل فردي عام 2018 في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب، وأعادت فرض العقوبات على إيران من جديد, فضلاً عن التداعيات التي خلفها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد قرابة عقدين من الزمن, على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك ترى كلا من طهران والرياض أن هنالك فرصة حقيقية لحدوث تقارب تاريخي بينهما, في ظل هذه المعطيات والرغبة المتبادلة التي ترجمت على أرض الواقع من خلال جولات التفاوض الثنائية بين البلدين برعاية عراقية .
لذلك يعقد يوم غد مؤتمر بغداد الثاني الذي يستضيفه الأردن, وهو المؤتمر الثاني بعد مؤتمر بغداد الذي عقد في آب/أغسطس 2021 في العاصمة العراقية بغداد, وكان عنوانه مؤتمر التعاون والشراكة وشاركت فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيه على مستوى وزير الخارجية, ويشارك في هذا الاجتماع كل من العراق ودول الجوار إضافة إلى فرنسا، ومن المقرر أن يحضره مسؤول السياسة الخارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ومعاونه إنريكي مورا الذي تولى التنسيق المباشر لمباحثات الاتفاق النووي.
حتى الآن لم يتم وضع خطة لعقد اجتماع بين الجانبين الإيراني والسعودي على هامش قمة مؤتمر بغداد الثاني, خصوصاً أن هنالك بعضا من سائل الإعلام أفادت بإمكانية حضور السعودية الاجتماع على مستوى ولي العهد, لا سيما أن الفترة الماضية شهدت لغة دبلوماسية أكثر تقارباً، وقد أعقبها البيان الخليجي الأمريكي الختامي لـ قمة جدة الذي تمسك بالطرق الدبلوماسية لحل مشكلة إيران النووية، كما نفت الرياض وجود أي حديث عن تعاون أمني أو تقني بين دول مجلس التعاون ودولة الاحتلال, وكذلك مع اقتراب وصول السفيرين الإماراتي والكويتي إلى طهران لمزاولة أعمالهما بعد ست سنوات من التمثيل الدبلوماسي الضعيف.
هذا التغيير في المواقف كان واضحاً في تصريح أبي الفضل عموئي المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى في إيران عندما قال ” الحكومة اتبعت طريق الحوار لإعادة العلاقات مع السعودية، والمعلومات التي تلقيناها هي أننا وصلنا إلى مستوى جيد جدا في هذا المجال, ومن المؤمل إجراء محادثات دبلوماسية بين البلدين قريباً، لأن هذا الإجراء يمكن أن يكون بالتأكيد مقدمة لإحياء العلاقات السياسية”, ولفت آل عاتي إلى أن رضا البلدين عما توصلت إليه الجولات الخمس السابقة يبدو واضحاً في تصريحات الجانبين، مشيراً إلى أن علنية هذه المفاوضات قد تنهي العديد من عوامل فقدان الثقة وتعيد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بناء على اتفاقات وضمانات علنية.
إن دعوة إيران والتأكيد على حضورها في هذا الاجتماع تأتي رغم جهود بعض الدول الغربية عزل إيران على الساحة الدولية والإقليمية، ومشاركة الرياض كلاعب فاعل على الصعيد الإقليمي يحظى بأهمية للأطراف المشاركة في القمة, كما هي محط اهتمام وسائل الاعلام الدولية, وأن الحديث عن بقاء هذه العلاقة المتشنجة بين البلدين محكوم عليه بالفشل, في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية, وأن الفجوة بين الجولة الأولى والثانية والتي هي أقل من عام ونصف أو حوالي 16 شهرًا، جاءت بسبب تأخير تشكيل الحكومة العراقية, وأن التقارب بين البلدين كاد بين قوسين أو أدنى .
ماجستير علاقات دولية ودبلوماسية مختص بالعلاقات الأمريكية – السعودية
https://telegram.me/buratha