الشيخ الدكتور محمد علي الدليمي ||
بين الفينة والاخرى يطفوا للسطح حراك اعلامي عبارة عن كوكتيل سيء المذاق..
وحينما تتكلم الناس وترتجل التحليل والتقرير وبكل اريحية تجد أن هذه الظاهرة حالة من حالات التخلف، بيد أن هذا سلوك وإن طغى ليبدو وكأنه ثقافة التفاهة في عصر مليء بالتحديات، فلا يعبر في الحقيقة إلا عن فشل المنظومة العقلية والنسيان، ذات الأسباب المبنية على ضحالة المستوى العلمي العام.
إذن نحن لسنا أمام سلوك عادي، بل فشل في التعامل مع الواقع يهبط بالقيمة الآدمية.
المتحدثون لا تعتقد أنها على صواب، وهم يعرفون بذلك وطريقة تفكيرهم ترفض أن تنتقد وتثار الأنا عندها لتخطو نحو مزيد من الخطأ، تلك الأنا التي هي سبب لكل خطأ بغياب فاعلية المنظومة العقلية التي تحتاج إلى المعلومة وإدراك المعلومة وهضمها وتوظيفها لكي تكون الأنا الآدمية التي تبحث عن النفع..
لا أتحدث هنا عن ملائكية وإنما آدمية بحسنها وسوئها بصوابها وخطئها، لكن وفق قواعد الخطأ والإنابة، والضعف وسد مواطنه، وإلا لا تتوقع من الناسك أن يكون ملاكا فهو لا يختلف عن الفاسق إلا بضبط وعقلنة أحاسيسه وسلوكه، وإلا فالإنسان قد يتمنى أمورا كثيرة وربما يعاني منها بيد أنها خطأ وربما خطر على نظام المجتمع (كينونة الدولة والحكم)، وعلى العرف أو النظام الاجتماعي (العلاقات العامة بين الناس والمعاملات)، أو نوع من العناد نتيجة سوء معالجة المعلومة والواقع والبلادة الحسية.
ونلاحظ اهتمام المجتمع بالأمور المتدنية والقدوات الفارغة، وإعلاء الضحل وتسفيه العالم بل الابتعاد عنه وكأنه الطاعون، ونظرة إلى أدوات التواصل الاجتماعي ستجد أن المتابعة للفراغ والشهرة، والعشق المرتكز على عماء، وهذا ليس بالمشكلة الكبيرة لو كان الناس يحاولون تطوير أنفسهم أو البحث في مجالات عدة ولكنهم متعصبون للتفاهة ويتكلمون بكل عصبية؛ إذا خالفهم أحد حتى من التافهين الذين يتابعون معهم..
شخصية بعقلية فقيرة ونفسية متوترة، ولطالما يحاول البعض التترس بثقافة ما أن يبدو أكثر هدوءا وتفهما لوقت ما، لكنه حقيقة يجهل حتى ما يزعم من ثقافة متبناة، فالتفاهة ليست ثقافة وإنما ظاهرة فرعية لسوء استخدام المنظومة العقلية، وبالتالي تتعامل النفس مع الغرائز والواقع دون تمحيص أو استخدام المنظومة العقلية للوصول إلى ما تمليه الغرائز في تفاعلها مع الواقع.
واحد اهم مصادقيه هو الانجرار في جدل عقيم أينما ظهر والابتعاد عن الفكر الجاد واستثقال التفكير فيه، نوع من السطحية والكسل مع الرغبة في إيجاد مكان اجتماعي متميز ربما يمنح شيوع السطحية، فلا تجد العامة أو النخبة أي حاجة للتطوير، في اكتفاء وهمي ومكان عقيم لا ينتج.
والارتفاع الذي تحس به بعض النخب التي لا تتطور أو تجد نفسها عظيمة مكتفية بواقعها فارتفاعها هو كارتفاع الفقاعات فوق الغثاء، إنها المأساة الخفية للأمة.
الحديث عن التفاهة في عصرنا لا يغطيه مقال، لكن يمكن أن تلخصها بكلمات وهي: إن أردت أن تعرف معنى التفاهة فتأمل ما حولك وابحث في نفسك لتخلصها مما لا يعجبك من الذي تراه، فقد يكون قد تسلل إلى نفسك ولا يرى سلبيات أنفسهم إلا العقلاء الشجعان.
ويمكن التصدي للتفاهة من معرفة مصادرها المضمحل ومستواها المتدني وان نفرق بين الظهور وبين التاثير وصناعة فكر و إبداع بعيد عن العواطف والأحاسيس الممزوجة بالملوثات..
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha