محمد عبد الجبار الشبوط ||
نستطيع ان نرسم خارطة للعمل الهادف الى بناء الدولة الحضارية الحديثة بالاستناد الى ثلاثية المواطن الفعال، والجماعات العصرية، والسلطة الشرعية، وهي العناصر التي ستتقاسم "العمل الحضاري" فيما بينها بطريقة متكاملة. واستخدمت عبارة "العمل الحضاري" للاشارة الى ان كل الفعاليات التي تتم من قبل العناصر الثلاثة تكون في اطار الرؤية الموحدة والمترابطة للدولة الحضارية الحديثة. فكل فعل يقوم به المواطن الفعال او الجماعات العصرية او السلطة الشرعية يجب ان يكون مرتبطا باي نحو من الانحاء بفكرة الدولة الحضارية الحديثة ومؤديا اليها.
نبدأ بالعنصر الاول، اي المواطن الفعال. دور المواطن الفعال في نموذج الدولة الحضارية الحديثة مشابه لدور الخلية في جسم الانسان. فجسم الدولة الحضارية الحديثة مؤلف من خلايا مفردة نطلق على الخلية الواحدة منها عنوان "المواطن الفعال". افعال الانسان على نوعين. افعال ذات بعدين، وافعال ذات ثلاثة ابعاد. وهنا نتحدث عن الافعال ذات الابعاد الثلاثة. والبعد الثالث هو البعد الاجتماعي. فالفعل الاجتماعي هو الفعل الذي يتجاوز دائرة الفرد ويدخل دائرة المجتمع. كل فعل اجتماعي يقوم به المواطن ذو علاقة بالدولة الحضارية الحديثة سلبا او ايجابا. ولهذا نعوّل كثيرا على افعال المواطن ذات البعد الاجتماعي. فالمواطن قد يكون موظفا في دائرة حكومية، او عاملا في مصنع، او فلاحا في حقل، او تلميذا او مدرسا في مدرسة. وافعال المواطنين في هذه الدوائر وغيرها تؤثر كلها سلبا او ايجابا في حالة الدولة وادائها ومسيرتها وتطورها وتقدمها او تأخرها.ولهذا يجب ان يحظى المواطن الفرد باهمية كبيرة في اي مشروع للعمل والاصلاح والتغيير وبناء الدولة. وهذه كله يتطلب التنشئة السياسية والديمقراطية والحضارية المناسبة والسليمة لابناء المجتمع كافة من اجل تأهيلهم للقيام بحصتهم من العمل الحضاري بكيفية سليمة.
ومعروف ان تأهيل الفرد يبدأ في البيت ثم في المدرسة ثم في الجماعات العصرية التي سوف يرتبط بها حين يبلغ سن الرشد وتكون احدى علامات حيازته لوصف المواطن الفعال.
اما الجماعات العصرية فهي تمثل الدوائر التي يمارس فيها ومن خلالها المواطن الفعال دوره في الفعل الحضاري بشكل جماعي وليس بشكل فردي. ومن هذه الجماعات الاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الاعلام وصناعة الرأي العام. ومن الضروري بمكان ان تعبر هذه الجماعات عن التوافق الاجتماعي العام على نموذج الدولة الحضارية الحديثة، او ما يسميه بعض الباحثين بالعقل العام. لا يوجد ضرر بالتعددية العقائدية او الحزبية او اللغوية او القومية في المجتمع، بشرط توفر قبول اجتماعي عام لنموذج الدولة الحضارية الحديثة. الاختلاف في النموذج العام لا يساعد على بناء الدولة ولا يحقق الاستقرار السياسي او المجتمعي. ولهذا من واجب الجماعات العصرية ان تشيع ثقافة نموذج الدولة الحضارية الحديثة، كجزء من واجباتها في طريق الوصول الى هذه الدولة.
يتحمل العنصر الثالث، اي السلطة الشرعية، الدور الاكبر في الطريق نحو الدولة الحضارية الحديثة، لان اقامة هذه الدولة يتطلب الكثير من الاجراءات التشريعية والتنفيذية. وهذه مهمة السلطة الشرعية بفرعيها التشريعي والتنفيذي. وهذا يتطلب ان تتألف السلطة الشرعية من اشخاص يؤمنون بنموذج الدولة الحضارية الحديثة بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية او السياسية او القومية. لأن هذه الانتماءات لا تتعارض من حيث هي هي مع النموذج الحضاري الحديث للدولة، لكنها قد تستثمر وتستغل بطريقة غير حضارية وغير حديثة من قبل الاتجاهات المتطرفة والمتشددة كما فعلت النازية وداعش وغيرهما. تتولى السلطة الشرعية التعامل مع قضايا المجتمع ومشكلاته من خلال الرؤية الحضارية الحديثة لهذه المشكلات وحلولها. وبذا تسهم بصورة كبيرة في بناء الدولة الحضارية الحديثة.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha