احلام الخفاجي ||
ابتداءً علينا معرفة ما المقصود بمصطلح الإسلام والفرقة الناجية، لكي يتسنى لنا بعدها التنقيب في مناجم الديانات والمذاهب لمعرفة معدن الإسلام الصحيح، والتجول في ضواحي الفرقة الناجية لعلنا نشم نسيم الجنة من نافذة حروفها.
إن كلمة الإسلام لها معانٍ كثيرة، وبما أننا نحاول الوصول إلى معرفة الفرقة الناجية التي ستجتاز الصراط حتمًا، صار لزامًا علينا تعريف الإسلام شرعًا، فللإسلام في هذا المضمار الكثير من المعان، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ان اتباع شريعة الباري عز وجل على مر العصور يسمى اسلامًا، لأن كل الرسالات السماوية تشترك في هدف سامي واحد، وهو الاقرار بوحدانية الله عز وجل، فقد جاء في القران الكريم: {وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}"1"
ان الله عز وجل ختم طريق الرسالات بالرسالة المحمدية، فلا شك ولاريب في أنها الحق الذي لا يشوبه الغموض، وعليه فإن الإسلام الصحيح هو الدين الذي نزل على النبي محمد (ص)، أي الخضوع التام لله تعالى، واتباع شريعة النبي الأمي التي اوحاها الله عز وجل له، فقد جاء في محكم كتابه العزيز: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}"2"، فالإسلام رسالة التوحيد والإيمان بالله والعمل بما أمر الله به والترك لما نهى عنه.
الفرقة الناجية مصطلح تم الاستدلال عليه من قبل فقهاء الحديث من أهل السنة والجماعة من خلال الحديث النبوي الشريف: {ستتفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)"3"، وعليه فإن الفرقة الناجية هي التي سارت على نهج النبي ونهج أهل بيته عليهم السلام وأصحابه المنتجين رضوان الله تعالى عليهم.
ان النبي محمد (ص) الذي أُرسل رحمة للعالمين ومبشرًا ونذيرًا حاشاه أن يتفوه بكلام مبهم ويترك أمته تموج في بحر الظنون، فقد كان دأبه (ص) تثقيف الناس وتحذيرهم من كل ما يؤدي بهم إلى الهاوية وما أدراك ماهي؟ نار حامية، وفي نفس الوقت إرشادهم إلى طريق الخير والصراط المستقيم حيث جنات عدن لهم فيها ما يدعون، فلطالما أشار (ص) إلى تلك الفرقة في أحاديثه المتواترة الكثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما جاء في حديث الثقلين الذي نص كثير من الفقهاء على صحته: {إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)"4"
فلو نقبنا على مهل في مناجم الذهب، وحرثنا أرض الفرق بمعول البحث، لوجدنا جذور الفرقة الناجية قد أثمرت عن الشيعة الامامية الاثني عشرية، وهي الجماعة الوحيدة التي تتصف بالولاء لأهل البيت (ع) من أولهم لآخرهم والمتمثل ببقية الله في الارض (عج)، وان وجدت هناك جماعات تدين بالولاء الغير تام -ان صح التعبير-(كالزيدية) والتي لا يمكن اعتبارها ضمن طائفة الشيعة بأي حال من الأحوال، ولقد أشار إلى ذلك الكثير من المؤرخين، ومنه ما رواه الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل": {الشيعة هم الذين شايعوا عليًا (ع) على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصًا ووصيةً، إما جليًا أو خفيًا، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من اولاده}"5" كما قال ابن خلدون: {أعلم أن الشيعة لغة الصحب والاتباع، ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على اتباع علي وبنيه رضي الله عنهم}"6"
كما أن الشيعة الامامية هي الفرقة الوحيدة التي آمنت وأقرت بحادثة الغدير والتي أخذ فيها النبي (ص) البيعة للإمام علي (ع) على مرآى ومسمع الحاضرين ليكتمل بها الإسلام، وتتم النعم، ويصح بها بدن الإسلام من كل الآفات، فقد جاء في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}"7"، والتي أنكرها غيرهم بعد استشهاده، وهم نفسهم الذين وضعوا حجر الأساس للإسلام الغير صحيح (الإسلام الأموي) فكانت أفعالهم اللبنة الأولى لمسجد ضرار، وعليه أصبحت صفة الشيعة علامة فارقة لمن يوالي علي (ع) وأولاده المعصومين.
إن الشيعة الامامية وباعتراف مؤرخي الفرق والمذاهب الإسلامية هي الطائفة الوحيدة التي توالي أهل البيت عليهم السلام، وتنهل من مناهلهم (ع) العذبة دينها فقهًا وعقيدةً، وكيف لا تكون مناهلهم كذلك ومنهم الماء المعين؟
إذًا شيعة علي هم الفرقة الناجية وهم الفائزون، وهذا ما رواه الحافظ ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق"، فعن أبي سعيد الخدري أنه قال: {نظر النبي(ص) إلى علي (ع) فقال: هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة}
كذلك ورد عن النبي محمد (ص) حديث السفينة الذي رواه كثير من الصحابة الثقاة، كأبي ذر الغفاري، وأبو سعيد الخدري والذي ينص: {إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح (ع) من ركب فيها نجي ومن تخلف عنها هلك}
كيف لا يفوز من ركب سفينة أهل البيت عليهم السلام وقد شبهها رسول الله (ص) بسفينة نوح (ع)، فما أن يفور تنور الفتن، وتصير أمواج الشبهات كالجبال، مدت يدها سفينة أهل بيت الرحمة (ع)، ولبلعت أرض الفتن ماؤها، ولو أنهم دخلوا بابهم سجدًا، وقالوا حطةً لغفر لهم ما تقدم وما تأخر من ذنوبهم، ولأصبحوا في كنف الفرقة الناجية، فبعدًا لقومٍ لم يركبوا سفينة أهل البيت (ع) وقالوا سناؤي إلى جبل الدنيا الغرور ليعصمهم من أمر الله، قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.
...............
1-سورة البقرة ايه :132
2- سورة المائدة :اية 3
3-رواه ابو داوود والترمذي-1
4-المعجم الكبير للطبراني
5-الملل والنحل 1:146
6- تاريخ مدينة دمشق للحافظ ابن عساكر :169/14/914
7- سورة المائدة اية:3
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha