د.علي المؤمن ||
بعيداً عن العصبيات القومية والعرقية والطائفية، والحساسيات التاريخية؛ نطرح سؤالاً علمياً، سبق أن تناول الإجابة عليه بعض اللغويين والمحدثين والفقهاء والنسابين والمؤرخين، فضلاً عن علماء الانثروبولوجيا والاجتماع واللغة، القدماء والمعاصرين، وكان لكل منهم زاوية نظره، وفق المدخل العلمي الذي يختص به.
ويتمحور السؤال حول الفرق بين المنتمي جينياً الى قومية معينة وبين المتكلم بلغة هذه القومية وهو ينتمي الى قومية أخرى، وبشكل أخص؛ بين العربي الأصيل، أي المنتمي الى القومية العربية جينياً وبين المنتمي الى قومية أخرى، لكنه ترك لغته وصار ناطقاً باللغة العربية.
أما مدخلي هنا فهو انثروبولوجي، يتعلق بتبعات الاستحالة اللغوية إنسانياً وثقافياً وسياسياً، وما إذا كانت الاستحالة اللغوية تنتج استحالة قومية وعرقية، بمعنى تحول الجماعات اللغوية الى جماعات قومية تلقائياً، أو بمعنى آخر انخراط الجماعات المتحولة لغوياً في نسيج قومي جديد يتبع اللغة؛ بوصف اللغة منظومة ثقافية، وليس مجرد كلام ملفوظ هدفه التفاهم والتواصل بين البشر.
وينطبق منطوق سؤال المقال على كل أنواع المستحيلين لغوياً، أي الأفراد والجماعات والشعوب التي تحولت لغوياً الى لغة أخرى غير لغتها القومية، سواء بفعل الغلبة الاستعمارية أو الغلبة الثقافية أو التعليم أو الهجرة أو التزاوج وغيرها من الأسباب.
مثلاً؛ هل أصبح المكسيكيون والارجنتينيون وسكان أمريكا الجنوبية أسبانيين، بعد أن باتوا ناطقين بالأسبانية؟ وهل صار البرازيليون برتغاليين بحكم اللغة؟وهل تحول الأمريكيون، بكل شعوبهم وقومياتهم المحلية والأوروبية والآسيوية والأفريقية، الى انجليز، بحكم تحولهم الى ناطقين بالانجليزية؟ وهكذا بالنسبة للكنديين والاستراليين والنيوزلنديبن والنيجيريين والويلزيين الناطقين بالانجليزية.
وإذا اقتربنا من الشعوب الشرق أوسطية وطرحنا السؤال نفسه؛ هل بات الفيليون كرداً وعرباً لأنهم انقسموا بين ناطق بالعربية وناطق بلهجة كردية؟ وهل أصبح الآذريون فرساً وأتراكاً لأنهم انقسموا أيضاً بين ناطق بالفارسية وآخر ناطق بلهجة تركية؟ وهل باتت الشعوب الأوروبية التي تمثل 80 % من سكان تركيا الحالية أتراكاً بحكم اللغة؟
ويندرج في هذا السياق أيضاً سؤال حساس مماثل؛ هل أن "السادة" (ذرية رسول الله) المهاجرين الى البلدان الأخرىً منذ مئات السنين، وباتوا يتكلمون الفارسية والهندية والتركية والاندونيسية والأمازيغية والكردية؛ لم يعودوا عرباً، واستحالوا فرساً وهنوداً وأتراكاً وكرداً؟
وهنا نصل الى سؤال المقال: هل الشعوب السومرية والبابلية والفيلية والأمازيغية والنوبية والفارسية والكردية والتركية، التي تركت لغتها وباتت تنطق بالعربية، بفعل الفتوحات الإسلامية والاندماج بالعرب على مر مئات السنين؛ باتت عربية من الناحية القومية والعرقية، أم أنها مجرد شعوب ناطقة بالعربية ولم تستحيل قومياً، وتظل تحمل سماتها القومية؟ وهل القواعد الانثروبولوجية والثقافية واللغوية التي تنطبق على شعوب العالم الأخرى المتحولة لغوياً، هي نفسها تنطبق على المتحولين الى اللغة الغربية، أم أن القواعد هنا تختلف، بالنظر للتعريفات المختلفة للعربي والعربية؟
هذه الأسئلة مطروحة للنقاش هنا على مدار ال 48 ساعة القادمة، مع رجاء أن تكون الإجابات والتعليقات موضوعية، وبعيدة عن العصبيات القومية والطائفية. وسأنشر إجابتي لاحقاً، في إطار مقال منهجي بإذن الله.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha