د.علي المؤمن ||
أشير ابتداءً الى حقيقة؛ لاتوجد أحزاب وتيارات فاسدة، إنما يوجد حزبيون وسياسيون فاسدون، إلّا إذا كانت نظرية الحزب وفكره فاسدين أساساً، كالبعث والشيوعي والأحزاب العلمانية. ما يعني أن الفساد في الأحزاب الإسلامية الشيعية هو فساد الأشخاص، وليس فساد النظرية أو الكيان؛ فهناك الحزبي الفاسد والفاشل، وهناك الحزبي الصالح والنزيه والناجح، بغض النظر عن موقعه الحزبي، قيادياً كان أو عضواً عادياً. ولذلك؛ يجب عدم الخلط بين الحزب وبين عضو الحزب.
ومن جهة أخرى؛ هناك مسؤولون وموظفون في الدولة مستقلون وغير حزبيين، لكنهم أفسد الفاسدين، ويلعبون على الجميع، بل أن أغلب الفاسدين من أعضاء الأحزاب الشيعية، درسوا الفساد على يد بعض المسؤولين المسلكيين القدماء في الدولة، وخاصة البعثيين، الذين أخذوا بعد العام 2003 يزايدون على الإسلاميين بأنهم مستقلون ووطنيون وأصحاب خبرة في إدارة الدولة. وبالتالي؛ لايقتصر الفساد على حزبي أو مستقل، مسؤول كبير أو موظف صغير، قديم أو جديد، شيعي أو سني أو كردي.
ومن الطبيعي، حين يعيش العراق مرحلة صراعات سياسية وفكرية وطائفية، أن يلعب الإعلام المخاصم ووسائل التواصل دوراً مرعباً في تضخيم حالات الفساد لدى المسؤولين الشيعة، الى مائة ضعف تقريباً، بهدف التسقيط السياسي والطائفي، حتى بات الإعلام الطائفي المخاصم، وبعض الشيعة المتأثرين به، يصورون العراق كبحيرة شيعية قذرة، وأن الأحزاب الشيعية عبارة عن منظومات فساد. والحقيقة، إن هذا التصوير غير صحيح، وبعيد كل البعد عن الواقع، وهو نتاج عقل فاسد خطير، هدفه ضرب تجربة المشاركة الشيعية في الحكم، وإعادة الشيعة الى مربع العام 1921؛ فهذا العقل الفاسد لايستهدف في دعايته الأحزاب الشيعية، بل يستهدف الحضور الشيعي في السلطة، أو ما يسمونه زيفاً (حكم الشيعة) أو (حكم الإسلاميين)، وهو حكم لاوجود له إطلاقاً، لأن النظام القائم هو نظام تشاركي محاصصاتي مكوناتي، ويمتلك فيه الشيعة ثلث قرار الدولة فقط.
والحال؛ أن حجم فساد الحزبيين والسياسيين غير الشيعة، أكبر وأخطر بكثير، وفق الأدلة والوقائع، لكن الإعلام المخاصم لايضخمه ولايكشف عنه غالباً، والحراكات الاحتجاجية لاتسلط الضوء عليه غالباً. ولانريد هنا تسويغ فساد كثير من السياسيين الحزبيين الشيعة إطلاقاً؛ فهو قائم وموجود وكبير، ولكنه ليس كما يضخمه الإعلام المخاصم، ويعمم توصيفه على الأحزاب الشيعية فقط، ويستثني سياسيي المكونات الأخرى.
بيد أن هذا التضخيم الإعلامي والتسقيط السياسي والطائفي، يضاعف من مسؤولية الأحزاب والتيارات السياسية الشيعية حيال مكافحة فساد أعضائها، ليس من أجل سد الذرائع وحسب، بل من أجل تطهير أنفسها من حالات الفساد الداخلي الذي يتسبب فيه بعض أعضائها، لأن فساد قيادي واحد وعضو واحد سيتسبب في سريان العدوى وامتداد المرض وتعفن الجسم كله تدريجياً، ولذلك؛ لكي يحافظ الحزب أو التيار على سمعته ونظافته من الداخل، عليه عدم الاكتفاء بالاجراءات الروتينية في المحاسبة والتحقيق، وأن لايتردد في بتر الأعضاء الفاسدين وتقديمهم للعدالة، ويتم ذلك عبر تشكيل لجان تفتيش ورقابة خاصة بمكافحة فساد الأعضاء، وليس لجان تحقيق أو ضبط؛ إذ تقوم لجان التفتيش بمراقبة قياديي الحزب وكوادره وعناصره مراقبة دقيقة، في أي مرتبة كانوا، خاصة الذين هم في مواقع المسؤولية الحكومية، وتفتش باستمرار عمن تظهر عليه أو على عائلته علامات الإثراء غير الطبيعي؛ فليس من المعقول أن يكون راتب أحدهم ثلاثة ملايين دينار - مثلاً - على مدار ١٨ عاماً، لكنه يمتلك أربعة بيوت في داخل العراق وخارجه، وأربع سيارات فخمة، وحسابات مصرفية عامرة، ويلبس ساعات وخواتم بآلاف الدولارات، وتعيش عائلته رفاهاً لافتاً، ويسافر على مقاعد الدرجة الأولى وينزل فنادق خمس نجوم. ألا يستدعي ذلك أن يسأله حزبه: من أين لك هذا؟
كما ينبغي على الأحزاب منع عناصرها أصحاب المسؤوليات الحكومية وأعضاء البرلمان، من ممارسة أي نشاط اقتصادي خلال وجودهم في مناصبهم، ومنعهم من استغلال المنصب من أجل تمرير الصفقات بهدف الحصول على المال والهدايا والعطايا، بل منعهم من استلام أية هدايا من التجار ورجال الأعمال والمستفيدين والمراجعين، بأية ذريعة وعنوان.
وبالتالي؛ إذا صلح أعضاء الأحزاب والتيارات الإسلامية الشيعية، وقدّموا صورة نزيهة ناجحة لعملهم في الدولة؛ فلن يتجرأ أغلب الفاسدين والفاشلين غير الحزبيين، أو عناصر الأحزاب الأخرى، من القيام بأية حماقة فساد. وسيكون ذلك مقدمة لتطهير الدولة من أغلب حالات الفساد والفشل.
وهناك مقدمتان أخريان تتعلقان بإغلاق مسارب الفساد في النظام الإداري والنظام السياسي للدولة؛ سيكونا موضوع مقالين قادمين.
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha