د. علي المؤمن ||
إن ما يحصل في العراق الجديد، بعد 2003، من عدم استقرار اجتماعي سياسي، وتنافس وخلافات وصراعات بين الطوائف (سنة/شيعة) والقوميات (عرب/ كرد)، هو تدافع طبيعي، سببه المشاكل البنيوية للاجتماع السياسي العراقي الموروث، وفوضى حراك هذه الطوائف والقوميات، وعدم توازنها في الحضور السياسي والسلطوي والديني والثقافي، والذي يقف على رأسه حكم الأقلية السنية العربية، منذ مئات السنين، والتي كان يتشبث زعماؤها بكل وسائل البطش والقمع للأكثرية الشيعية والأقلية الكردية السنية، من أجل المحافظة على السلطة، وهذا هو ديدن حكم الأقليات في كل التاريخ.
ثم أضيف الى الموروث الأموي العباسي الأيوبي العثماني الردئ السابق؛ خللاً عميقاً جديداً بعد العام 1921، يتمثل في تركيبة الدولة والوطن وجغرافياه السكانية، بوصفها إحدى مخرجات معاهدة سايكس بيكو ( الفرنسية البريطانية)، بالتزامن مع تكريس العقيدة الطائفية العنصرية للدولة العراقية الجديدة، وهي العقيدة التي عبّرت عنها بوضوح حكوماتها المتعاقبة، منذ العهد الملكي وحتى العام 2003. وهناك من الشيعة من يتوهم بأن هذه العقيدة انهارت بعد العام 2003، وأن الصراع حولها قد انتهى، بنهاية حكم البعث، لكن الحقيقة على النقيض من هذا الوهم؛ إذ لاتزال هذه العقيدة إحدى محاور التدافع والصراع بين السنة من جهة، والشيعة والكرد من جهة أخرى، وهي السبب الأساس في هواجس ومخاوف الطوائف والقوميات من بعضها، وأغلب الوان الفشل والعوق القانوني والنظمي والسياسي والإداري، وكثير من مسارب الفساد.
هذه الهواجس والمخاوف والنزاعات، ليست مبنية على وهم، بل مبنية على أسس واقعية وحقائق على الأرض، وبالتالي؛ هي تجسيد لمخاضات الولادة العراقية الجديدة، التي أفرزها سقوط العراق الطائفي العنصري القديم، وهي مخاضات ربما تستمر عشرين أو ثلاثين سنة أخرى، لحين تتبلور هوية العراق الجديد نهائياً، ويذعن الجميع لحقائق الجغرافية السكانية المذهبية والقومية، وأنهم شركاء في الوطن متساوون في الحقوق والواجبات، ولايوجد مواطن أصلي ومواطن (نزيل)، ولايوجد تمييز على أساس الطائفة والقومية. وحينها لن يكون هناك تدافع بين المكونات، بل سيكون التدافع من أجل الوطن حصراً.
وقد ذكرت في كثير من الحلقات البحثية والمحاضرات والدراسات في العامين 2003 و2004، بأن العراق بحاجة الى (50) عاماً حدا أدنى ليستقر، فيما انصبت جهود جميع الطوائف والقوميات على التخلص من الإرث العنصري والطائفي، وإعادة بناء الدولة وقواعد الوطن على أسس جديدة. في حين أن ما يحدث منذ العام 2003 هو مجرد محاولات ترقيعية سطحية لسد الثغرات والذرائع، شبيهة بالمسكنات المؤقتة، وليست أعمالاً ستراتيجية عميقة، تجتث المشاكل والأزمات من جذورها، تمثل علاجات شافية.
ولذلك؛ واهمٌ من يعتقد ان مشاكل العراق سببها السرقات والفشل في الأداء، والمحاصصة الطائفية والقومية، بل ان هذه الظواهر السلبية هي مجرد افرازات للمشاكل البنوية في الدولة العراقية. فمن التغيير الجذري والاستقرار الحقيقي المستدام، عليه اجتثاث هذه المشاكل أولاً.
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha