محمد عبد الجبار الشبوط ||
ربما سيقول التاريخ ان السنوات الاربع بين عامي ٢٠١٨-٢٠٢٢ كانت سنوات مميزة من حيث حجم الصراعات السياسية المحلية والاقليمية والدولية التي شهدها العراق.
كانت انتخابات عام ٢٠١٨ صراعا مخفيا بين طرفين احدهما اقليمي والثاني دولي. كان الطرف الدولي يأمل بابقاء رئيس الوزراء الذي تولى المنصب بين عامي ٢٠١٤-٢٠١٨. لكن نتائج الانتخابات كانت مخيبة لامال هذا الطرف، وتمكن الطرف الاقليمي من ازاحة رئيس الوزراء، والاتيان برئيس وزراء مخالف. وكان من الواضح لدى المطلعين على خفايا الامور ان الامور لن تستقر على ما هي عليه. وما ان اقترب عام ٢٠١٩ من اشهره الاخيرة حتى كان المناخ السياسي مؤهلا لانفجار شعبي. وهذا ما حصل، وشهد العراق اكبر تظاهرات في حياته السياسية، وصفتها المرجعية الدينية بانها حركة اصلاحية. لكن سرعان ما امتدت اصابع محلية واقليمية ودولية الى جسم التظاهرات بشكل اساء اليها كثيرا.
في ذلك الجو الساخن كنت من اوائل الذين اقترحوا حل مجلس النواب واجراء انتخابات مبكرة وفق المادة ٦٤ على ان تجرى الانتخابات المبكرة على طريقة الانتخاب الفردي وليس الانتخاب بالقائمة.
في هذه الاثناء، استقال رئيس الوزراء، الامر الذي اتاح للطرف الدولي ان ينصب احد ادواته خلفا له، فيما تراجع نفوذ وتأثير القوى التي كانت تمسك بزمام الامور قبل ذلك التاريخ.
اجريت الانتخابات "المبكرة" في تشرين عام ٢٠٢١، في ظل انقسام سياسي وحزبي عميق وواسع. لم تسفر الانتخابات عن فوز اغلبية مطلقة، لكن التيار الصدري حاز على اعلى عدد من المقاعد النيابية، فيما جاءت الاحزاب الاخرى خلفه بمسافة بعيدة.
كان امام العراق خياران: اما تشكيل حكومة اغلبية، من قبل التيار الصدري باعتباره الكتلة النيابية الاكثر عددا، او تشكيل ائتلاف نيابي يمثل الكتلة النيابية الاكثر عددا. لم يفلح اي من الطرفين في امضاء ارادته، فاضطر التيار الصدري، الى الانسحاب من البرلمان، الامر الذي جعل الطرف المنافس هو الكتلة النيابية الاكثر عددا. وهذا ما شجع الاطار التنسيقي على اعلان السيد محمد شياع السوداني مرشحا له. ما زالت هذه الخطوة بدون الزام دستوري، فما زالت هناك خطوتان: الاولى الاعلان الرسمي عن الكتلة النيابية الاكثر عددا، وانتخاب رئيس الجمهورية من قبل البرلمان، بعد ان يحسم الكرد خيارهم. لكن يبقى لترشيح السوداني اهمية سياسية سوف تتعمد دستوريا بعد انجاز الخطوتين المذكورتين.
انسحب التيار الصدري من البرلمان كما قلنا؛ لكنه لم ينسحب من الحياة السياسية، انما حول نشاطه الى الشارع. وهذه مفارقة. فما حاجة التيار الصدري الى الشارع وهو يتمتع بقوة ٧٣ نائبا في البرلمان؟ كان بامكان التيار الصدري ان يشارك في حكومة اغلبية يشكلها الطرف الاخر، او ان يشكل معارضة قوية في مجلس النواب. من المفيد التذكير انه في النظام البرلماني فان القرارات تصنع في المؤسسة الدستورية، اي البرلمان، وليس في الشارع.
في هذه الاثناء، سُمعت اصوات تطالب باجراء انتخابات مبكرة جديدة. وهذا عبث سياسي لن يؤدي الى احداث تغيير جذري في المشهد السياسي.
الموقف السليم الان قد يتمثل في اعطاء الفرصة للاطار التنسيقي ان يكمل مشوار ترشيح السوداني، فان فشل هذا الخيار، يتعين الذهاب الى المقترح الذي قدمته قبل ايام، وخلاصته:
١. تعلن "الهيئة البرلمانية للمكون الشيعي" (وهي تعبير افتراضي يضم مجموعة النواب الشيعة كلهم في مجلس النواب) فتح باب الترشيح لتولي منصب رئيس مجلس الوزراء. يحق لكل من يحصل على دعم مكتوب مسبق من ٤٠ نائبا ان يرشح نفسه.
٢. تقوم "الهيئة البرلمانية للمكون الشيع بالتصويت التسقيطي لعدة مراحل على الاسماء المرشحة لحين التوصل الى اختيار اسم واحد فقط. التسقيط بالتصويت هو تصويت تدريجي لاستبعاد من يحصلون فقط على ادنى الاصوات، اي اقل من ٥٠٪ من الاصوات.
٣. تجري بعد ذلك عملية تقديم اسم المرشح الفائز وتكليفه حسب السياقات الدستورية المعتمدة.