محمد عبد الجبار الشبوط ||
كثيرا ما اؤكد على الدور المحوري للعلم في اطروحة الدولة الحضارية الحديثة. فالعلم هو الركيزة الخامسة لهذه الدولة، والعنصر الرابع في المركب الحضاري لها، والباب الى الحداثة.
وتركز منظومة القيم الحافة بعناصر المركب الحضاري على العلم، دراسةً وتحصيلاً وبحثا وترغيبا به.
ولما كان خط سير العلم تراكميا وتقدميا مع مرور الزمن فيجب على الدولة الحضارية الحديثة ملاحقة ومواكبة التقدم العلمي في العالم، بل الاشتراك به ايضا، وتجديد بنى الدولة واداراتها وفق المستجدات العلمية في العالم.
والسياسة هي من ابرز المجالات التي نحتاج فيها الى العلم. واعني بالسياسة كل ما يتعلق ببناء الدولة، واداء الحكومة، والاحزاب السياسية، والسلوك السياسي للمواطن مثل التصويت او الانخراط في العمل الحزبي، وسلوك القادة والجمهور والعلاقة بينهما وغير ذلك.
وتكشف الاوضاع السياسية الحالية، بما في ذلك حالة الانسداد السياسي-الحضاري، وحادثة مهرجان احياء ذكرى استشهاد المرجع محمد صادق الصدر، عن مدى الحاجة الى العلم في الحياة السياسية.
واليوم وفرت الجامعات عدة حقول معرفية ذات علاقة مباشرة او غي مباشرة بالحياة السياسية مثل: العلوم السياسية، وعلم الاجتماع السياسي، وعلم النفس السياسي وغير ذلك.
لا يصح ان تمارس السياسة بمختلف مجالاتها بشكل "فطري"، وانما يجب ان تقوم على اساس علمي ودراسات علمية، تجريها مراكز الدراسات والجامعات وبالطرق العلمية المعروفة بما في ذلك الطرق الامبريقية والمختبرية.
ومن متطلبات الاسلوب العلمي في ممارسة السياسة اعتماد التنشئة السياسية للاجيال الجديدة على اسس علمية حديثة. ويكون من ابرز اهداف هذه التنشئة تربية المواطن الفعال والناخب الحضاري.
وهذا ما يجب ان تقوم به المدرسة في مراحلها الثلاث، الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وعلى مدى ١٢ سنة، وهي الدورة التربوية الكاملة عندنا في العراق. والمعروف ان الطالب ينهي هذه المراحل الثلاث وقد بلغ الثامنة عشرة من عمره. وهذا هو السن القانوني الذي يسمح له بالتصويت. ومن هنا وجب ان يضع النظام التربوي نصب عينيه ان الطفل الذي سوف يبدأ اولى سنواته الدراسية وعمره ست سنوات هو ناخب المستقبل الذي سوف يشكل عبر صوته الانتخابي السلطة التشريعية في البلاد. وبعد سنوات قليلة ربما يرشح نفسه في الانتخابات البرلمانية ليكون نائبا مشرّعا يتحمل مسؤولية تشريع القوانين ومراقبة الحكومة ومحاسبتها بعد منحها الثقة.
ومن هنا جاء اقتراحي الذي قدمته عدة مرات بشأن النظام التربوي الحديث باعتباره احد مفردات البنية التحتية للدولة الحضارية الحديثة، انطلاقا من الايمان بان بذرة هذه الدولة تزرع في الصفوف المدرسية على مدى ١٢ عاما.
ومن هنا جاء اقتراحي بتشكيل المجلس الدائم للتربية الذي يتولى وضع هذا النظام التربوي على ان تتولى وزارة التربية تنفيذه.
ومع انني كررت طرح هذا المشروع، الا ان الحكومات المتتالية، ووزارات التربية، ما زالت تتجاهل الفكرة. اما الاحزاب السياسية الحديثة والقديمة فما زالت مشغولة بصراعاتها بشأن تقاسم السلطة دون التفكير ببناء الدولة.
ان فكرة النظام التربوي الحديث تأتي في سياق الرؤية الستراتيجية بعيدة المدى لبناء الدولة؛ ومن اراد فعلا الشروع ببناء الدولة فيجب ان يضع نصب عينيه هذه الفكرة.
ان ١٢ عاما من عمر الدولة ليست بالزمن الطويل، لكن نتائج العمل فيها بموجب اقتراح النظام التربوي الحديث يختصر الكثير من الوقت على العراق ويضعه على بداية الطريق الى بناء دولته على اسس حضارية حديثة.
قرات بامعان مقال السيد جعفر الصدر بشأن بناء الدولة ووجدته يخلو من هذه الفكرة. ارجو ان تكون مقالتي هذه تذكيرًا له ولغيره بهذا الموضوع الحيوي.