ماجد الشويلي *||
الحياد المبدأي لايعني الانعزال والانكفاء . كما أنه لايعني النأي بالنفس وفقدان الموقف ، بل هو الموقف بحد ذاته، حينما يستلزم الأمر حياداً يوضح ملابسات الأزمة والصراع ويؤشر للعلة فيه.
إن أول من اتخذ موقف الحياد المبدأي وجسده ببراعة ودقة متناهية هو أمير المؤمنين (ع ) إبان الثورة على الخليفة عثمان ، فلم يكن آمراً بالثورة ولا ناهيًا عنها .
لكنه في الوقت ذاته كان قد بين بكل وضوح مالطرفي النزاع وما عليهما
حين خاطب الثوار قائلاً (( اِسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ اَلْأَثَرَةَ وَ جَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ اَلْجَزَعَ وَ لِلَّهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي اَلْمُسْتَأْثِرِ وَ اَلْجَازِعِ ))
وهذا عين ما لمسناه في خطاب الامام الخامنئي بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية؛ فالإمام الخامنئي لم يؤيد الاجتياح الروسي لأوكرانيا ، لكنه في الوقت ذاته بين المسبب الرئيسي للأزمة وحدده بالأمريكان الذين فاقموها.
وهذا الموقف من بين جملة من المواقف المبدأية التي اتخذتها الجمهورية الاسلامية ؛ فحين احتلت أمريكا العراق لإسقاط نظام صدام المقبور،
خطب الإمام الخامنئي في الجمعة الأولى التي تلت ذلك الإحتلال وقال بأننا لن ننحاز لطرف ضد طرف آخر في هذا الصراع ، ولكن لو تحول الصراع بين الشعب وأمريكا فإننا لن نقف على الحياد مطلقاً وسنقف لجانب الشعب العراقي .
وهذا ماحدث بالفعل بعد انطلاق الشرارة الاولى للمقاومة في العراق.
فقد وقفت الجمهورية لجانب الشعب العراقي في مقاومته للإحتلال والإرهاب فيما بعد وقفة حازمة .
لذا يمكننا أن نستشف معنى الحياد المبدأي في خطاب الامام الخامنئي بعد الأزمة الأوكرانية بأنه القدرة على تقديم البديل الحضارى لثقافة الشرق والغرب المتناحرة ايدلوجياً ومصلحياً وحتى كنسياً .
فالحياد دون وجود رؤية وهدف وقدرة على بلورة خيار مستقل هو انصهار وذوبان وتلاشي فيما لو وقعت الصراعات الكبرى كالحرب العالمية الثالثة لا سمح الله .
بل حتى لو استنزف الشرق والغرب بعضهما البعض الآخر دون حرب عالمية فسينسحب ذلك الاستنزاف ليمحق الدول التي وقف على الحياد دون مقومات.
ومن هنا فإن البديل هو الحضارة الأسلامية وهي نمط التعايش السليم والطيب بين الأمم والشعوب
وهو المعنى الحقيقي لقول الامام الخميني (رض)
((لاشرقية ولا غربية جمهورية إسلامية))
وهو المشروع الذي طال انتظاره ، ولعل معطيات ومؤشرات الصراع بين روسيا وأوكرانيا تشي بأنها فيها مندوحة تبرز من خلالها معالم الحضارة الإسلامية.
كما برزت معالم المدرسة الإمامية على يد الباقرين عليهما السلام غداة صراع الأمويين مع العباسيين .
*مركز أفق للدراسات والتحليل السياسي