خالد جاسم الفرطوسي
يمكن تعريف التنمية البشرية على أنها: عملية تنمية وتطوير إمكانيات الإنسان، بهدف توسيع الخيارات المتاحة أمامه، باعتباره أداة وغاية التنمية.
هذا المصطلح (التنمية البشرية)؛ يؤكد أن الإنسان هو أداة وغاية التنمية، حيث تعتبر التنمية البشرية النمو الاقتصادي وسيلة لضمان الرخاء للمجتمع، وبهذا فما التنمية البشرية إلا عملية تنمية وتوسع للخيارات المتاحة أمام الإنسان باعتباره جوهر عملية التنمية ذاتها أي أنها تنمية الناس بالناس وللناس.
ورغم أن المفهوم قديم إلا انه لم يتم تناوله كمفهوم (علم) مستقل، إلا بعد الحرب العالمية الثانية، ومواجهه الدول التي شاركت فيها مشكلة تجاوز الدمار الذى خلفته، وقد فرض مصطلح التنمية البشرية نفسه، على الخطاب السياسي والاقتصادي، على مستوى العالم بأسره، وخاصة في تسعينيات القرن الماضي، كما لعب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقاريره السنوية عن التنمية البشرية دوراً بارزاً في نشر هذا المصطلح.
في العقد الأخير من القرن الماضي تنامى الوعي بقيمة الإنسان هدفاً ووسيلة في منظومة التنمية الشاملة، وبناءً على ذلك أزدادت وتعددت الدراسات والبحوث والمؤتمرات التي عقدت لتحديد مفهوم التنمية البشرية وتحليل مكوناتها وأبعادها، كإشباع الحاجات الأساسية، والتنمية الاجتماعية، وتكوين رأس المال البشري، أو رفع مستوى المعيشة، أو تحسين نوعية الحياة.
والتنمية البشرية بالمفهوم المتقدم تستدعي النظر إلى أن الإنسان هدفاً في حد ذاته حين تتضمن كينونته والوفاء بحاجته الإنسانية في النمو والنضج والإعداد للحياة؛ حيث أنه محرك الحياة في مجتمعه ومنظمها، وقائدها، ومطورها، ومجددها.
نخلص مما تقدم إن هدف التنمية هو تنمية الإنسان في مجتمع ما بكل أبعاده الاقتصادية والسياسية وطبقاته الاجتماعية، واتجاهاته الفكرية، والعلمية، والثقافية، وبهذا يمكن القول أن للتنمية البشرية بُعدين:
- البُعد الأول يهتم بمستوى النمو الإنساني في مختلف مراحل الحياة لتنمية إمكانيات الإنسان، طاقاته البدنية، العقلية، النفسية، الاجتماعية، المهارية، الروحانية ....
- البُعد الثاني هو أن التنمية البشرية عملية تتصل باستثمار الموارد والمُدخلات والأنشطة الاقتصادية التي تولد الثروة والإنتاج لتنمية الإمكانيات البشرية عن طريق الاهتمام بتطوير الهياكل والبُنية المؤسسية التي تتيح المشاركة والانتفاع بمختلف القدرات لدى كل الناس.
ما يمكن أن نلفت إليه نظر القارئ، هو أن التنمية البشرية بمفهومها الذي مر علينا آنفاً، لم يتم التوصل إليه ليكون علماً مستقلاً إلا في الفترة المذكورة، وهي فترة حديثة، إلا أننا لو رجعنا لمصادر ديننا الإسلامي لوجدنا كم من قرون مضت وهي تُصرح بهذه الحقيقة، ومع ذلك لم نجعلها علماً مستقلاً وسبقنا إليها في ذلك الغرب، وأصبحت اليوم محسوبة لهم بحسب ما يبرزه إعلامهم وأنشطتهم وبرامجهم، إلا أن ما يمكن أن ننوه إليه وبشكل دقيق أن هنالك فرقاً كبيراً بين محتوى ومادة ومنهج التنمية البشرية في بعض منها، بين ما يطرحه الفكر الغربي، وما يطرحه الفكر والدين الإسلامي الأصيل، مما يدعو إلى أن لا نأخذ كل ما يطرح منهم سواء في كتبهم أو في الدورات التدريبية، وسواء كانت لأساتذة غربيين أو إسلاميين إلا أنهم لا يفقهون التمييز بين الصحيح والسقيم منها، مما يجعل المتدربين أمام مسؤولية البحث عن الأساتذة الذين يحملون فكراً إسلامياً صحيحاً ولديهم المعلومات الكافية التي اعتمدوا عليها من مصادر إسلامية وغربية، ليقوم حينها ذلك الأستاذ بعملية مقارنة وإبراز وبيان ما فيه رضا الله تعالى وبالأدلة المعتبرة، وبعون منه جل وعلا سنُضمن مقالاً خاصاً عن قريب في ذكر أمثلة مما يختلف فيه الفكر الغربي عن تعاليم وإرشادات وتوجيهات ديننا الإسلامي الأصيل فيما يُطرح في كتب ودورات التنمية البشرية.