محمد عبد الجبار الشبوط ||
الحضارة هي عنوان عريض يشمل كل ما يحصل بين الانسان والطبيعة، سلبا او ايجابا. الحضارة بالايجاب هي التقدم، والحضارة بالسلب هي التخلف. والعلاقة بين الانسان والطبيعة تفاعلية. فكما يؤثر الانسان في الطبيعة، فان الطبيعة تؤثر فيه. ولا ننسى ان الانسان بلحاظ اخر هو جزء من الطبيعة. وقد اشار القران الكريم الى هذه الحقيقة بقوله:"مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ".(طه 55)
تختلف "الحضارات" فيما بينها، ومن هنا تعددت الحضارات، منها ما بقي واندثر، وبقيت اثاره المعرفية او المادية، ومنها مازال باقيا. ورصدها جميعا توينبي (١٨٨٩-١٩٧٥) فوجدها ٢١ حضارة. سبع منها باقيات و ١٤ مندثرات.
ومهما اختلفت الحضارات فيما بينها، فانها انما تختلف في خصائصها الظاهرية والخارجية، لكنها جميعا تشترك في معادلة واحدة، او تحكمها معادلة واحدة هي:
ح=م x ق
ويمكن ان تقرأ المعادلة على النحو التالي ايضا، كما بينها الصديق الدكتور حميد رياح:
ح= مجموع (الانسان xق1 + الطبيعةxق2+العلمxق3 + العملxق4 + الزمنxق5)
حيث ان ح= الحضارة
و م =المركب الحضاري، وهو مؤلف من خمسة عناصر هي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل
و ق =منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري و التي تحكم علاقة عناصر المركب الحضاري فيما بينها، وبدرجة اهم علاقة الانسان بالانسان (العلاقة الاجتماعية)، وعلاقة الانسان بالطبيعة (العلاقة الطبيعية).
و (ق ٥،٤،٣،٢،١) القيم الفرعية المتعلقة بكل عنصر من عناصر المركب الحضاري الخمسة.
وهذا ما نسميه "المعادلة الحضارية".
وهذا ما فهمه السيد محمد باقر الصدر (١٩٣٥-١٩٨٠) من قوله تعالى:"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً". (البقرة ٣٠). وقد سبقه الى اكتشاف علاقة الاستخلاف بدرجات مختلفة كتاب وعلماء اخرون مثل عبد القادر عودة (١٩٠٦-١٩٥٤)، والراغب الاصفهاني ( ت ١١٠٨). لكن ينسب الى الصدر تحليل هذه الاية وتفكيكها بالصورة المنتجة لنظرية الاستخلاف، بشكل لم اجده عند غيره، استخلاف الانسان في الارض من قبل الله سبحانه وتعالى.
وقد فكك الصدر الاستخلاف الى امرين هما: الاستخلاف السياسي والاستخلاف الاقتصادي. وينتج من الاول القول بحق الجماعة البشرية في حكم نفسها بنفسها. وينتج من الثاني القول بالملكية العامة للثروة كأصل في بناء الحياة الاقتصادية. وهذا الاصل لا يلغي الملكية الخاصة التي تتأتى من العمل. وطرق اخرى مذكورة في مصادر البحث.
ويمكن اثبات صحة المعادلة الحضارية وعمومميتها بالعودة الى كل الحضارات المعروفة التي نشأت على امتداد التاريخ البشري منذ اكثر من ستة الاف سنة والى اليوم.
وبناء على هذه المعادلة نقول: ادا اردنا ان نبني حضارة (دولة، مجتمع) جديدة، او نعالج سلبيات حضارة (دولة، مجتمع) موجودة، فيجب ان نعود الى "المعادلة الحضارية" وننطلق منها في البناء او الاصلاح.
وهذا يعني اننا بحاجة الى هذه المعادلة في حالتين:
الحالة الاولى اذا اردنا الانطلاق فورا وقصديا لاقامة الدولة الحضارية الحديثة.
الحالة الثانية، اذا اردنا معالجة المشكلات التي يعاني منها مجتمعنا ودولتنا مثل الفساد، والنظام السياسي، والنظام الاقتصادي، والنظام الإداري، والنظام التربوي الخ.
وفيما يتعلق الامر في الحالة الراهنة في العراق، نقول ان كل ما يعانيه المجتمع العراقي من مشكلات شتى في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها انما هو نتائج ومضاعفات الخلل الحاد، بل الاختلالات الحادة في هذه المعادلة. واي توجه للاصلاح لا يكون جادا وصادقا ومثمرا ما لم يضع في حسبانه اصلاح هذه الاختلالات في المعادلة الحضارية. هذا هو نمط التفكير العلمي بالاصلاح، وهو يختلف كثيرا عن النمط الشعبوي او الاستهلاكي الذي يتشدق به الجهلاء "ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا"!