محمد عبد الجبار الشبوط ||
قليلٌ من الهندسة السياسية؛ اي علم بناء الدول.
حين نبني الدولة على اساس المواطنة، فسوف نذهب الى الديمقراطية بمعناها الاصلي، اي حكم الاغلبية، او نموذج ويستمنسر المطبق في بريطانيا وغيرها، واهم اسسها: ١. الفائز باكبر عدد من الاصوات في الانتخابات، ٢. حكومة الاغلبية السياسية التي يشكلها حزب كبير يملك اغلبية برلمانية، ٣. الانتخاب الفردي في اغلب الاحيان، ٤. القرارات باغلبية الاصوات، ٥. وجود المعارضة البرلمانية.
ولكن حين نبني الدولة على اساس المكونات، فسوف نذهب الى المخطط الذي وضعه ارنت ليبهارت والمعروف باسم الديمقراطية التوافقية consociational democracy، والمطبق في عدد قليل من الدول في مقدمتها سويسرا، والذي يتكون من العناصر التالية: ١. حكومة ائتلافية جامعة للكل، ٢. التمثيل النسبي في الانتخابات ومؤسسات الدولة، ٣. حق الفيتو او الاجماع في اتخاذ القرارات، ٤. الادارة الذاتية او الحكم الذاتي للمكونات.
لم يكن الذين كتبوا الدستور العراقي على علم بفقه الدولة، او علم الهندسة السياسية، او على الاقل الفرق بين الديمقراطية، و الديمقراطية التوافقية، فكتبوا دستورا هجينا، خلط بشكل غبي بين الامرين، بين المكون والمواطن، فلا هو مكتوب على اساس المواطنة وحدها، ولا على اساس المكونات وحدها، ولا هو جمع بين الامرين بشكل ذكي، فضاعت بوصلة الدولة وانتهى الامر فيها الى حكومة المحاصصة العرقية والطائفية والحزبية. ومما زاد الطين بله ان الممارسة السياسية قسمت المجتمع العراقي على اساس معيار هجين عرقي في ناحية، وطائفي في ناحية اخرى. فمن الناحية العرقية ظهر المكون الكردي، لكن لم يقابله المكون العربي الذي جرى تقسيمه على اساس طائفي فظهر عندنا المكون الشيعي والمكون السني.
في هذه الاثناء ظهرت اصوات تطالب باقامة حكومة الاغلبية باوصاف متعددة، مرة الاغلبية السياسية، ومرة الاغلبية الوطنية، ولا مشاحة في المصطلح اذا كان يشير الى مسمى واحد.
لكن ايا من الداعين الى حكومة الاغلبية، بدءاً من نوري المالكي وانتهاء بالسيد مقتدى الصدر، لم يتطرقوا الى شرط حكومة الاغلبية وشروطها. وشرطها هو المواطنة، ومن شروطها مثلا: التخلي عن مبدأ الاستحقاق الانتخابي، ووجود احزاب "وطنية" لا عرقية ولا طائفية، على ان تكون هذه الاحزاب قليلة العدد، وكبيرة الحجم، لكي يتولى احدها تشكيل حكومة الاغلبية.
ومن الجلي والواضح ان الذهاب الى حكومة الاغلبية بدون توفير شرطها سوف يؤدي الى تشويه صورتها ومعناها. ولذا يتعين على الدعاة اليها ان يعملوا بنشاط اكبر على توفير شرط المواطنة، وبقية الشروط، لتوفير البيئة المناسبة والصالحة لتشكيل حكومة الاغلبية السياسية او الوطنية.