محمد عبد الجبار الشبوط ||
بعد ٢٠ عاما تقر الولايات المتحدة بفشلها في افغانستان، فيما سيكون اقسى تجارب الولايات المتحدة بعد فيتنام والصومال، والى درجة مقاربة التجربة العراقية.
مهما كانت الاهداف التي سطرها الرئيس الاميركي جورج بوش الابن لتسويغ حربه الاولى ضد طالبان، فان خروج القوات الاميركية من افغانستان تحت وقع الرصاص اعلان بان ايا من الاهداف المسطّرة لم يتحقق. فلا العالم اصبح اكثر امنا، ولا تم القضاء على الارهاب، ولا افغانستان تحولت الى واحة ديمقراطية بعد عقود من الحروب الاهلية والتطرف الديني. فشلت اميركا في افغانستان كما فشل قبلها الاتحاد السوفيتي السابق.
انسحبت اميركا من افغانستان، ولم يكن الانسحاب مفاجئا، انما كان بترتيب واتفاق مسبق مع طالبان تم ابرامه في قطر. وحين شنت طالبان هجومها الاخير لم تتصدّ لها القوات الافغانية التي انفقت عليها الولايات المتحدة اكثر من ٨٠ مليار، ولا القوات الاميركية. انما اجتاح مسلحو طالبان مدن ومقاطعات البلاد بطريقة "سلمية" تذكرنا بطريقة دخول مسلحي داعش الموصل والرمادي من قبل.
المعلقون الاميركيون يقولون ان "انتصار" طالبان لم يكن حتميا، وان الرئيس بايدن كان بامكانه منع ذلك لكنه ببساطة لم يفعل. بدا الامر وكان واشنطن تسلم افغانستان سلميا الى طالبان مضحية عن سابق عمد وتخطيط بحكومتها المنتخبة "ديمقراطيا". لابد ان هناك اسبابا اكثر اهمية من الديمقراطية ومن الحكومة الافغانية هي التي دفعت واشنطن الى الهرولة بعيدا عن كابول. وهو انسحاب يكمل حلقات انسحاب اميركي من جنوب غرب اسيا فيما يكاد يجمع المحللون الاميركيون على القول انه انسحاب غير مدروس النتائج والعواقب. وهو انسحاب ليس بعيدا عن الصراع/ التنافس الاقليمي- الدولي الذي تشترك فيه كل من روسيا والصين وايران وتركيا.وفيما تخوض هذه الدول فصول هذا الصراع/ التنافس ذي الابعاد الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية فان شعوب المنطقة من تونس الى افغانستان مرورا بليبيا واليمن ولبنان وسوريا والعراق تدفع الثمن باهضا.
يعود فشل المخطط الاميركي الذي اطلقه بوش الابن الى اسباب كثيرة، اعرف منها ما يتعلق بالعراق على الاقل فيما يمكنني القياس عليه. فقد انطلقت الولايات المتحدة تحت شعار اقامة الديمقراطية في هذه البلدان، ولكنها لم تحصد غير الفشل والدماء. اصحاب نظرية المؤامرة يشككون حتى بهذا الهدف، ومع ذلك فاننا يمكن ان نقول ان اخطاء اميركا الكثيرة في المنطقة جعلت هدف الديمقراطية بعيد المنال في هذه البلدان. وقياسا على الحالة العراقية، فان الاخطاء الاميركية قاتلة، وكانت سببا اساسيا في ضياع فرصة اعادة بناء الدولة العراقية على اسس ديمقراطية حديثة، دون ان الغي دور العوامل الداخلية في هذا الفشل.
تثير عودة طالبان الى الحكم بعد ٢٠ سنة من اقصائها يثير مخاوف فيما يتعلق بالعراق مع اختلاف ظروف البلدين. لكن مخاطر الارتداد واردة بسبب رخاوة الوضع الداخلي وهشاشة بنية الدولة وفشل الديمقراطية المزعومة في كسب ثقة الناس. ولا يشترط ان يكون الخطر داعشيا، لكن من الممكن جدا ان يكون بعثيا. ولا يصح الركون الى القول بان البعث انتهى، لان الاشخاص الذين يمكن ان يعاودوا العمل البعثي موجودون وقد يحظون بدعم يمكنهم من القفز على السلطة مرة اخرى مستثمرين تردي الاوضاع ونقمة الناس على الطبقة السياسية الحاكمة، خاصة وان الانتخابات العراقية اصبحت ممارسة شكلية يمكن القفز على نتائجها فضلا عن التلاعب بهذه النتائج. الوضع العراقي حساس ومتقلب، ويجب على القوى الرافضة للارتداد ان تكون على اهبة الاستعداد لاجهاض وافشال اية محاولة من هذا النوع
https://telegram.me/buratha