د. علي المؤمن ||
لا يتفق علماء الانثروبولوجيا والاجتماع والنفس على مفهوم محدد للثقافة؛ فعلماء الاجتماع يعتبرونها ((المجموع الكلي للغايات البشرية))، أو أنها ((نمط الحياة))، بينما يرى علماء النفس بأن الثقافة هي ((مجموع العادات الاجتماعية)). وفي المقابل يعرِّفها العالم الانثروبولوجي "إدوارد تيلور" بأنها الكل المعقّد الذي يتضمن المعرفة، والعقيدة، والفن، والأخلاق، والقانون، والتقاليد والعادات)). ورغم أن تعريف "تيلور" هو أشهر تعريف للثقافة، إلا أن متخصصين آخرين ينقدونه، ويقولون بأن تعريف "تيلور" يقتصر على «محتوى الثقافة»، في حين أن ((الثقافة هي تنظيم قبل أن تكون محتوى)). أما علماء البيولوجيا فيقولون بأن الثقافة هي ((الوراثة الاجتماعية))، أي أنها اكتساب وراثي أو فطري.
وأياً كان مفهوم الثقافة ومعناها، واختلاف علماء الإنسانيات والاجتماعيات على تعريفها؛ فإن أغلب هؤلاء يتفق على أن الثقافة تشتمل على كل معارف الإنسان ومعتقداته وأعرافه، أي أنها كلٌّ مركبٌّ يوجه أفكار الإنسان وأساليب حياته كعضو في المجتمع. ومن هنا كان الحقل الثقافي، وفق التعريف الشامل للثقافة، هو الحقل الأوسع الذي يمارس فيه المثقف عملية التغيير. وأهمية الثقافة كعنصر يحدد الأفكار والسلوك والظواهر الاجتماعية، تجعلها محور اهتمام جميع التيارات والقوى السياسية والاجتماعية والعقائدية منذ وجود الإنسان على الأرض.
وعلى مستوى مناخات المسلمين؛ فإن هناك ثفافتين أساسيتين ظلتا قائمتين ومتصارعتين منذ بزوغ فجر الإسلام، ويحاول كل منهما أن يكون الثقافة المهيمنة على مستوى الفرد والمجتمع والدولة، هما الثقافة الإسلامية، والثقافة المضادة، إذ يستهدف كلاهما في الفعل التغييري الذي يستبطنانه؛ جميع مجالات الحياة، خصوصاً البنى الثقافية والاجتماعية، التي تعتبر الميدان الأول لحركة التغيير. ويتلخص عنوان الثقافة الإسلامية بأنها ثقافة التوحيد والأنبياء، كونها تنتسب الى مرجعية الدين الذي يتحمل الأنبياء مسؤوليته رسالته وتبليغه، بينما تتلخص الثقافة المضادة في كونها ثقافة الشرك والانحراف، لأنها تنتمي الى مرجعيات أرضية متصارعة مع الدين. ورغم اختلاف أساليب الصراع وآلياته من زمن إلى آخر، إلا أن منطلقات الصراع وعوامله وأهدافه بقيت كما هي؛ إذ لايزال الصراع المحتدم اليوم بينهما امتداد لصراع قديم.. لن ينتهي حتى يرث الله الأرض.
والثقافة الإسلامية هي التي تحدد مضمون الحركة التغييرية وغاياتها وأهدافها ومناهجها وأساليبها، وتتميز بكونها ثقافة الدين والعقيدة من أجل بناء الحياة وتوجيهها، وأنها ثقافة الدنيا من أجل الآخرة، أي أنها حالة تفاعلية بين تعاليم الدين ومبادئه ومتطلبات الانتماء اليه من جهة، ووعي المتدين وسلوكه من جهة أخرى، وهو السلوك الذي يهدف الى إعمار الدنيا للوصول الى رضا الله وآخرته، وأنها ثقافة للتغيير وليست للترف، وهي ثقافة الأمة لا النخبة فقط، وهي أيضاً ثقافة للعمل والحركة وليست ثقافة نظرية للاستهلاك العقلي وحسب؛ فالعلم والمعرفة في ثقافة التغيير مقرونان بالعمل الصالح والحركة من أجل تزكية النفس والمجتمع؛ إذ ((لا يقبل اللَّه عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل. ومن لم يعمل فلا معرفة له))، كما يقول الإمام محمد الباقر.
وتتسع أهداف الثقافة الإسلامية بحجم الميدان الذي تتمحور وتتحرك فيها العملية الثقافية، ومن أبرز هذه الأهداف:
1 - إعادة بناء الإنسان والمجتمع، وتربيتهما وتزكيتهما؛ وصولاً إلى مستوى «الإنسان الخليفة» وإلى «مجتمع المتًقين».
2 - تحصين الإنسان المسلم الثائر لمواجهة كل أشكال الانحراف والتخريب الفكري والثقافي.
3 - تخليص الأمة من قيود التبعية الثقافية والسياسية والاقتصادية للغرب والشرق.
(للموضوع تتمة)
https://telegram.me/buratha