نعيم الهاشمي الخفاجي ||
عندما اضطريت أن أترك العراق مرغما بسبب ارهاب وظلم نظام البعث الطائفي الشوفيني كانت ذاكرتي مليئة بمشاهد طائفية رأيتها من خلال تجربتي العملية مع شراذم البعثيين من رفاق واتباع وضباط طائفيين لا يتحرجون في اظهار طائفيتهم بشكل واضح وصريح، كان لي صديق فيلي يدرس معي في الاعدادية من اهالي جصان اسمه اياد جبار صبار، مشاكس وطيب في آن واحد، افترقنا في عام ١٩٨٥ وجدته في احدى جبهات حرب صدام الجرذ الهالك ضابط هندسة، صادفت يوم العاشر من محرم احد ضباط المشاة اسمه فاضل تركماني سني من الموصل عربيته مكسرة قال نعني من بغداد ونازل ابيعهم في نفر كباب؟ قال له كيف؟ رأيت اياد حرك يديه ووجه له ضربة على فمه مع نطحة رأس كنا نسميها كله، فاضل وقع مغمى عليه، سحبت اياد قال لي نعيم خليني ارمية طلقة واخلص عليه، جاء امر السرية نقيب اسمه ليث سألني شرحت له القصة التفت إلى ملازم فاضل وبصق على وجهه وتم إنهاء الموضوع بالصلح، امر لواء المدفعية ماعجبه الضابط الاداري من البصرة مياحي، تصور يقف آمر اللواء ويصح وين هذا المعيدي ويسميه في اسم قبيلته، قائد فرقة عشرين داود الجبوري من شهربان امر سرية مغاوير الفرقة نقيب دراجي شيعي مسمي ابنه عمر وعندما أحس به شيعي قام بنقله للساتر الامامي وجاء في مكانه ضابط سني، الإعدامات بالجملة، الضابط الشيعي والجندي الشيعي الشريف مهان، الإعدامات كانت تنفذ لكتابة تقارير تافهة، إذا كان التقرير ضد ضابط سني يتم غلق الملف اما اذا كان شيعي فيكون مصيره السجن والإعدام، أما في المدن والقرى الاعتقالات تطال الاف الناس الأبرياء وبدون اي ذنب يتم تعذيبهم ويجبروهم ان يوقعون على اوراق بيضاء وينسبون لهم قيادة حزب الدعوة ....الخ ويعدمونهم،قصص مرعبة، جمعتني الظروف مع مئات العراقيين ممن كانوا بالسجون نقلوا لي قصص من القتل لم تخطر ببال أي بشر، بعد سقوط نظام البعث كان يفترض كشف جرائم نظام البعث وعمل افلام ومسلسلات لتوثيق لتلك الحقبة المظلمة.
للاسف نحن مجتمع أو مكون بلا ذاكرة، هدف سهل للمتلاعبين للتوغل لبيئتنا في الوسط والجنوب، لخداع الناس، لذلك تحرص الشعوب الواعية على اقامة المؤسسات التي تحفظ الذاكرة، وأدوات الذاكرة عديدة تشمل ترجمة الجرائم الى اللغات العالمية لفضح جرائم النظام الديكتاتوري والعمل على دعم الضحايا من الناجين من الاعدامات لكتابة مذكراتهم بدعم مادي حكومي مثل مؤسسة الشهداء والسجناء لتوثيق تلك الجرائم القذرة، لكن عندنا مؤسسة السجناء والشهداء هدفهم توزيع الرواتب للمستحق وللغير مستحق بل الكرم وصل لشمول الارهابيين الانتحاريين ليكونوا ضمن قوائم الشهداء، شعوب العالم الحرة وثقت كل الحقب المظلمة قبل توفر تقنيات الكتابة والطباعة مثل عصرنا هذا، يفترض
حتى في الأجهزة الإدارية لا بد من وجود ناس تذكر كيف كان نظام البعث يستعمل الاجهزة الادارية في قمع ضحاياه، بل حتى بعد سقوط نظام البعث وقيام البعثيين في جعل حواضنهم مناطق للتفخيخ والقتل وبعد فتوى الجهاد الكفائي قوات الحشد الشعبي وجدت اقبية تحت مبنى محافظة صلاح الدين اماكن لصنع العبوات ولخطف المراجعين الشيعة من ابناء قضاء طوز خورماتو وبلد والدجيل وقتلهم، بل الاجهزة الامنية اكتشفت معمل للتفخيخ في دائرة الجنسية في في الرمادي، لنعيد الذاكرة لأول عملية قتل استهدفت ابناء مدينة الصدر في الفلوجة بقصة استدراج سبعة سواق شاحنات شيعة وقتلهم بطريقة سلخ الجلود. وكتبت السلامة لطفل كان مع والده، شرح كيف هرب الضحايا الى مركز شرطة الفلوجة ومدير المركز وضباطه هم من سلموا الضحايا للإرهابيين، ورحم الله السيد عبدالعزيز الحكيم شارك في موكب تشييع الشهداء، لماذا الاعلام لم يقوم بفضح هذه الجريمة كذلك الحديث عن جريمة خطف واغتصاب عروس الدجيل وقتلها، حتى بالفترة الاخيرة شيخ عشيرة محاميدي مجمع مجموعة من العبيد الممسوخين الذين يشعرون بعقدة الدونية والعبودية يقول لهم قصة عروس الدجيل مختلقة؟ مرة عدنان الأسدي قال لي لدينا قصص مرعبة لجرائم الإرهابيين، حتى أنا قلت له ماذا تنتظرون لماذا لاتعرضون هذه الافلام المرعبة لفضح الارهابيين وخلق بيئة شعبية رافضة لهم، بقي صامت….الخ.
وضع النقاط على الحروف يكون عامل مفيد ونافع، فلول البعث ومعهم تنظيم القاعدة قتلوا العلماء والطيارين بأوامر صهيونية ووزارة الداخلية اعتقلت عصابة بعثية لتنظيم القاعدة اعترفوا انهم متخصصون في اغتيال الأطباء، بل في عام ٢٠٠٨ بالبصرة ذهبت مع صديق الى دكتور اسمه فلاح البصري متخصص عظام وروماتيزم، صديقي رقد في مستشفى بالدنيا بالدنمارك ٢٤ يوم ولم يجدوا أي شيء لكن وضعه صعب لا يستطيع الحركة، مجرد شرحنا الأعراض الدكتور فلاح قال لي لا نحتاج الى اشعة رنين اخي اذهب الى الاشعة اريد أشعة عادية ابيض اسود الى الحوض، لأنني أعتقد وجود كسر، وفعلا عندما أخذنا الأشعة وجد كسر ملتئم بينما المستشفيات الدانماركية عجزت عن التشخيص، هذا الدكتور بعد حديث معه وعرف اننا في الدنمارك، رأسا قال لي انظر رأيته واضع يده على رأسه رأيت جرح قال لي كنت اعمل في عيادتي في بغداد في الشارع المشجر بالسعدون وتم اغتيالي من مجموعة إرهابية لكوني شيعي لا اكثر وكتبت لي السلامة وانتقلت إلى البصرة. الامام علي ع قال عندما سكت اهل الحق عن حقهم ظن أهل الباطل أنهم على حق، لماذا نصمت عن حقنا؟ السيد نوري المالكي كان يملك أطنان من الوثائق التي تدين ساسة وجهات محلية وإقليمية بالتورط بقتل شعبنا لماذا لا يتم مصارحة الشعب وطلب المساعدة من أبطال الشعب المضحين في وضع حد لمهزلة التآمر والقتل، فلول البعث أذل وأجبن من أي جبان، عرض الوثائق التي تدينهم كافية على هزيمتهم ويضطرون لوقف ارهابهم والاستقواء بالدول الطائفية وبصمت أمريكا مقابل رشاوي السعودية لصاحب القرار السياسي الأمريكي، ذاكرة الماضي أمر ضروري، ليس بغرض الكلام الساذج وإنما لدراسة أحداث الماضي وعدم تكرار ذلك في المستقبل من خلال إيجاد آليات تمنع وصول الطائفيين مرة ثانية للتسلط على رقابنا،، بل ليكن الغاية من أجل تعليم الأبناء والأحفاد الجدد بما جرى لأسلافهم، يعني مثلاً سياسي بحزب معين كان ابوه او عمه زعيما الى هذا الحزب مات أو استشهد يفترض في ابنه أو أي شخص يحل محله دراسة سياسة وأهداف الذي سبقه في المنصب لإكمال اهدافه او بالقليل الاستفادة من تجربة الذي سبقه وعدم تكرار الأخطاء مرة ثانية، لو قامت القنوات الفضائية العراقية وبالذات الشيعية تذكير الناس بجرائم البعثيين بشكل يومي هل يستطيع فلول البعث والمخابرات الدولية التي مكنت صدام الجرذ في حكمنا ان ينفذون لمناطق الوسط والجنوب من خلال مظاهرات تشرين؟ ذاكرة مثقوبة للأسف.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
25.6.2021
https://telegram.me/buratha