عمار محمد طيب العراقي ||
سؤال كبير يطرح نفسه بقوة دائما، وهو لماذا تشكل الحشد الشعبي، والإجابة كما يتصورها محدودي النظر، من أننا لم نكن بحاجة الى تشكيل الحشد الشعبي، بل لم نكن أصلا بحاجة الى فتوى للجهاد الكفائي، لولا الإجتياح الداعشي الخطير في حزيران 2014، عندما احتل الأشرار أكثر من ثلث مساحة العراق. وأوشكت بغداد المدججة بالقوات العسكرية ومن مختلف الصنوف، أن تسقط هي الأخرى، فقد كان الدواعش يحيطون بها وشرعوا بنهشها، مثلما تنهش الوحوش المفترسة فرائسها.
بل أن من هؤلاء من يقول، أنه لو كانت القوات المسلحة العراقية قائمة بواجباتها بشكل حسن، واستطاعت إيقاف العدوان ودحره والقضاء عليه، لما كنا بحاجة الى "صداع" اسمه الحشد الشعبي..!
الحقيقة هي ان هذا طرح سوفسطائي مغرض، يريد أن يسلب الشعب إرادته بالدفاع عن نفسه، ويميع دور العقيدة في رسم خارطة وجود الأمة، ويقلل من دور القوى العقائدية القائدة للمجتمعات، وهي تتمثل في الحالة العراقية، بالمرجعية الدينية العليا.
من خلال فتوى الجهاد الكفائي، تصدت القوة العقائدية القائدة لـ"درء المخاطر"، بما معروف عنها بعدم تركها مصير الأمة سائبا، بأيدي تفتقد رؤوس أصحابها الى العقيدة، فأسلمت أقدامها الى الريح في ساعة العسرة، واستبدلت الخاكي الشريف بالدشاديش، هذا التصدي كشف عن حاجة المفاهيم الوطنية المائعة، الى قوة العقيدة الضابطة!
على المستوى التطبيقي، وفي الشأن السياسي والوطني، لم نعتد من القوة العقائدية القائدة، التدخل بالتفاصيل والعناوين الفرعية، ولذلك فإنها أنتقت المفردة المناسبة بإحترافية عالية، وبمهارة النطاسي البارع، قد أشارت الى أن واجب المكلفين بالجهاد كفائيا، هو "درء المخاطر".
"درء المخاطر"؛ تعبير يعبر عن طيف واسع من المشكلات؛ والقضايا التي يواجهها الوطن، إبتداءا من المخاطر التي تهدد وجوده وحياة المواطنين، بالعدوان الخارجي أو الإضطرابات الداخلية، أو الكوارث الطبيعية، بل أن شحة الإحتياجات الإنسانية المباشرة، كنقص المياه والغذاء، تعد من المخاطر بشكل جلي..
هذه الإحترافية بأنتقاء المفردة، تجعلنا نتوصل الى أن الحشد الشعبي، كسائر القوات المسلحة، لا تقتصر واجباته على الحروب، بل يجب ان يكون الحشداويين مستعدين، حيثما يحتاجهم الوطن لـ"درء المخاطر".
ثقل العبيء يجب أن يتحمله الحشد الشعبي قبل غيره، لإندكاكه العميق في وجدان الأمة من خلال العقيدة..لتتشكل أمة الحشد التي صنعتها الفتوى ودماء الملبين..لقد تم بناء أمة الحشد..والأمم لن تموت أبدا!
ثم أن الحشد الشعبي، له إمتداداته الشعبية، وحاضنته المجتمعية، التي وقفت الى جانبه من خلال قوافل الدعم اللوجستي الشعبي، التي قدمت إسنادا رائعا وبمختلف الوسائل، الأمر الذي كان له أثره البالغ في الظفر وتحقيق الإنتصار.
هكذا كان المشهد، وهو اليوم مستمر كما بدأ؛ لأن العدو مازال موجودا، و"المخاطر" التي يتعين مواجهتها و"درئها" لم تنته، وليس من المؤمل أن تنتهي في أمد منظور..
المشهد الذي نقلنا مقطعا صغيرا من صورته، يعني أن الحشد الشعبي حالة وطنية كبرى، كانت القوة العقائدية القائدة، قد أطرتها بقدسية الفتوى المباركة.
لكن ماذا سيكون الموقف، لو لم تصدر فتوى الجهاد لسبب أو لآخر، بل ماذا سيكون الموقف لو لم تكن لدينا قوة عقائدية قائدة؟!
الحقيقة أن هذا السؤال مردود الى فم من طرحه، إذ أننا شعب يعيش في ظل نظام ابوي، وأبونا هو المرجع، ونحن محظوظين جدا لأن لدينا مرجعية دينية، تراقب مسارات حياتنا ومآلاتها، وتشخص الأخطار، وترسم لنا خارطة الطريق لمواجهتها.
((رسم خارطة الطريق؛ هي المهمة الأساس الكبرى؛ للقوة العائدية القائدة وهي مهمة وطنية جليلة، أما الباقي والتفاصيل فعلينا، وعلينا نحن كـ"ابناء" ان نستوعب خارطة الطريق، كفكرة وموضوع، ونعمل على إنتاج مخرجاتها السليمة، ونحرص عليها ونصونها ونرصنها ونطورها..الفكرة هي "درء المخاطر"، والموضوع عمل وطني؛ يجب أن نحتشد جميعا من أجل إنجازه، والمخرجات فهي "التحشيد" الشعبي..ونحن شعب بارع في نسج تفاصيل قصة "التحشيد" والتعبئة الوطنية..
لدينا مواسم سنوية للتعبئة الوطنية، محرم الحرام وعاشوراء، والمواكب الحسينية وركضة طويريج والزيارة ألأربعينية، "ثكنات" شعبية؛ للتدريب على فنون التعبئة ومتطلباتها ومقتضياتها.))
شكرا
21/6/2021
https://telegram.me/buratha