حسن المياح ||
يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام ( غيرة المرأة كفر ).
علينا أولآ، أن نعي الفهم الحقيقي لهذه المقولة العلوية الذهبية، والجوهرة الأميرية الماسية التي أنتجها عقل علي، وفكر علي.
إن الغيرة تمثل حالة إنسانية، فليس عيبآ على الإنسان أن يغار ويتألم ويكابد، والإنسان حقيقة - وبطبيعته الفطرية والخلقية - يعيش غريزة التملك،وغريزة حب الذات المتأصله في خلقته ونفسه الإنسانية.
والغيرة في هذه المقولة العلوية لا تعني الكفر بحد ذاته، وإلا لأصبح الإنسان يعيش الشك والقلق والحقد والفوضى في حياته، ولا يحس أو يشعر بنعمة الوداعة والإستقرار.
فلا بد من تأويل موضوعي صادق ينطبق على الغيرة التي وردت في مقولة حكيم الحكماء، وسيد البلغاء علي عليه السلام.
فتأويل الغيرة هنا والذي ينسجم مع الشرع والعقل، هو أنها تعني أنها حالة تؤدي الى بعض أجواء الكفر فيما أحله الله سبحانه وتعالى، وما حرم للإنسان في حياته الفردية النفسية والإجتماعية. فالإنسان معرض للتطرف في تصرفاته مع الآخر، وأنه يعيش الأحاسيس والمشاعر السلبية تجاه الإنسان الآخر، مما يولد له التوتر، والتعصب، وخلق المشاكل والمتاعب النفسية والإجتماعية والعلائقية مع أخيه الإنسان الآخر، فيوقعه تصرفه هذا في المحرمات التي يجب عليه إجتنابها وتفاديها، ليعيش حياته وإنسانيته في ذاته، وفي الإنسان الآخر ؛ ولا يعكر صفو علائقه الشخصية والإجتماعية معه.
وهذا خصوصآ ما يحصل عند المرأة والرجل على السواء في بيت الزوجية وتكوين الإسرة وقيادة وآدارة الأمور، فتكون الطمأنينة ويحصل الإستقرار، إذا حكم العلاقة الزوجية جو من التفاهم، وإدراك الأمور على حقيقتها، ويأخذ كل واحد منهما مساحته في العلاقة الزوجية، بما يرضي الله سبحانه وتعالى، حتى تتحقق السعادة الحقيقية في الحياة الزوجية والأسرية.
فالرجل يغار على زوجته، وخصوصآ إذا حضيت الزوجة وكان لها نصيب من الملكات الجمالية، وفضائل الأخلاق والأفعال، ومزايا شخصية تميزها وتظهرها بالمظهر الحسن، مما تجعل الرجل يشتد غيرة عليها، لا لأنه يكرهها، أو يريد الإنتقام منها ؛ ولكن غيرته تدفعه أن يكون مهتمآ بها، ومحافظآ عليها، حتى من أقرب الناس له.
وهذه غيرة محمودة ومطلوبة ومحترمه، ولكن على أن لا تتجاوز الحدود المسموح بها ؛ لكيلا تتحول الى عداء وبغض يدخلهما في المحرم، ويخرب البيت الزوجي، وتتعقد نفسيته ونفسية زوجته.
والدافع والمحفز في كل هذا، هو حب الإختصاص في التملك، وهذه أقوى وأطغى غريزة في الإنسان، وهي منبع الشرور والمفاسد، إذا لم تهذب وتهدى وترشد.
فالغيرة الإيجابية مطلوبة ومؤكدة، لأنها تسير وفق الموازين الشرعية والعقلية، ومن خلالها يحصل الإنسان على مرضاة الله سبحانه وتعالى.
لكن الغيرة في حالة السلب تكون مدمرة للعلاقة الزوجية، والتكوين الأسري، وكل علاقة ؛ ومحطمة للكيان الأسري، والبناء الداخلي للنفس ومحيط العلائق الإجتماعية، فتتحول من بناء ورعاية وصيانة الى هدم وتدمير ونسف لكل ما هو صالح للإنسان.
وهذا التحليل النفسي الإجتماعي ينسحب وينطبق على السياسي حينما يتصدى للمسؤولية؛ ولا بد للمسؤول من غيرة في ذاته ليصون كلامه وفعله وعمله وتحركه، وأن يهذب غريزة التملك، وغريزة حب الذات لتتوازن شخصيته، ويستقر ميزان تصرفاته على خط الإستقامة، ويكون كل ما يصدر منه عدلآ وصلاحآ، مما يوصله الى مرضاة الله سبحانه وتعالى، ويأمن من شر المخاطر والمزالق، ويكون بعيدآ عن طريق الإنحراف، ولا يقع في الزيغ والكوارث التي لا تحمد عقباها.
فالسياسي الناجح، الذي يحكم شرع الله في كل حركاته وسكناته وتصرفاته وخلجاته ، ويستوي في سيره على خط الإستقامة، وينشد العدل في كل عمل وفعل يقوم به، يكون بذلك قد أمن العقاب، ونال الثواب، لأن مسيرته صالحة وموفقة ومنتجة ومثمرة، ويتأمل الناس منها الخير العميم.
وكل هذا يكون بدافع غيرته على الحق، ونهج الإصلاح، ومحاربة الزيغ والفساد، والإبتعاد عن كل ما هو تزوير، وتحريف، وإنحراف.
وبذلك تكون غيرته هذه إيجابية، ومحمودة، وصالحة للبناء والتعمير والتغيير نحو الأصلح والأفضل.
ولكن - لا سمح الله - إذا تصرف تصرف العبد الطائع لشهواته ورغباته بدافع غريزة التملك والإستئثار، وحب الذات، فأنه لا محالة يكون طريقه الفساد الإنحراف، والخراب والتدمير، وهدم كل ما هو صالح ومفيد، في الحياة والمجتمع، ويصبح عضوآ فاسدآ منبوذآ في المجتمع، ويفسد حياته الشخصية والأسرية، ويضر المجتمع، ويقطع أوصال وعرى الروابط والعلائق مع الناس والحياة، ويعيش في خوف وهلع، ورعب وإضطراب، ويعيش الخشية من الملاحقة القانونية، والمطاردة المجتمعية، ويقع في سخط ربه الجبار المنتقم الذي يقصم ظهور الظالمين والفاسدين.
وكل هذا بسبب دافع الغيرة السلبية التى تقوده حيوانآ مستعبدآ صاغرآ لغرائزه الحيوانية الهابطة،التي لم يحسن إستخدامها ؛ ولو أحسن تهذيبها لعاش حياة الإنسان في حياته الفردية، وفي المجتمع من الناس.
https://telegram.me/buratha