حسن المياح ||
لحد الآن لم يطرح إسم يليق أن يكون رئيسآ لمجلس الوزراء، بإعتبار أن المنصب ذات مسؤولية ضخمة، ويتطلب في المسؤول الذي يشغله كفاءات وقابليات وخصائص ومميزات تجعله قادرآ على خوض التجربة، وربما بتفوق في قيادة الحياة من خلال المنصب الذي هو فيه .
ولكن مع شديد الأسف، أن الذين يتقاتلون، أو يتنافسون، أو يفرضون لسبب وآخر، كلهم لا يصلح أن يدير شؤون بيته على طريق العدل والإستقامة، فكيف يقود بلدآ الحياة فيه معقدة، والناس مختلفون ومتفاوتون ومتلونون، وأنهم رزحوا تحت قسوة حكومات ظالمة غاشمة جاهلة، ولم يشعروا بفرصة يشمون فيها عطر رائحة، أو هبة نسيم الحرية والعدل والعيش السعيد الآمن.
والاسماء التي تطفو على السطح لإشغال المنصب، لا حظ فيها للقيادة أو الإدارة، لأنها ليست مالكة لنفسها ومستقلة الرأي، ولا تملك عناصر القوة واللياقة في شخصيتها لتثبت جدارتها في الحكم، ولم تتدرب، أو تتمرن على كسب مهارات الخدمة التي تؤهلها لقيادة السفينة، وخصوصآ إذا تلاطمت الأمواج، وإرتفعت شدة موجها وهيجانها، وأن فاقد الشيء لا يعطيه.
وهذا هو حال أغلب المرشحين أو المتقدمين لإشغال المنصب الصعب .
رئاسة مجلس الوزاء ليست محل جزارة، ولا بلطجة، ولا هي غابة إفتراس تستجيب للمتوحش والأقوى والذي يملك مخالب قوية، لتحقيق مقولة البقاء للأقوى في الحياة .
إن رئاسة مجلس الوزراء وظيفة ضرورية معقدة، وحساسة جدآ في قيادة وإدارة أمور وأحوال الناس والمؤسسات والدوائر، وتتطلب عقلآ واعيآ منفتحآ، وسعة صدر، وفهمآ دقيقآ،.وقابلية عقلية ضخمه لتحمل المشاق، وإستيعاب ما يطرأ من مشاكل وصعوبات ومستجدات، وذكاء في حلحلة القضايا الصعبة الشائكة بحكمة وعقل وعدل وإستقامة، والتخلي عن التهور والإستعلاء والإستعجال في حسم القضايا، وتهذيب غريزة حب الذات المتهورة، وغريزة التملك المستهترة،والحكم والنظر لكل الناس على أساس.ميزان العدل، وحالة توازن، في خط الإستقامة والرعاية التامة الشاملة، وتمشية الأمور لما يخدم صلاح البلاد والعباد . ولذلك يجب محاربة أنانية الذات بالتهذيب، والتسلط الحزبوي، وقلع فكرة تفضيل الأقربين نسبآ، أو إنتماءآ، أو قومية، أو طائفية، أو مناطقية، أو كل هوس ونعرة تكون مدعاة للهدم والفوضى .
وأما الأسماء المطروحة والمتداولة والتي تتغير سراعآ إستجابة للتسلط على المنصب.--. وليس للحفاظ على تسنمه.--.وفي أي لحظة، وما سينزل من أسماء جديدة الى الساحة، أقول كل هذه الشخصيات لا تصلح أن تؤدي واجبآ بسيطآ في رقعة لا تتجاوز بناء بيت صغير، فكيف يؤمل منها النجاح والفلاح في قيادة العراق العظيم، وفي ظل كل هذه الظروف العصيبة الملمة والمحيطة فيه من داخلية، وإقليمية، ودولية، وعالمية.
وكيف يترجى التغيير والصلاح، ما دام المتسلط لا يفقه، ولا يعرف أي طرفيه أطول.
هذا فيما يتعلق بالشخص المرشح لتسنم القيادة من خلال إشغال متصب رئيس مجلس الوزراء.
وأخيرآ يبقى السؤال، هو نفس السؤال وهو، من يصلح لقيادة هذا المنصب ويحقق الفوز والفلاح والصلاح من خلال عملية التغيير لكل ما هو فاسد.
طبعآ كل الأنظار تتوجه وتتطلع الى الأسماء والرموز والأشخاص، ظانين أن حسن الأختيار لشخص من بين الأشخاص، هو الضامن الحقيقي لتحقيق القيادة الصالحة الناجحة، والإدارة الفالحة لمرتكزات الدولة ومؤسساتها من خلال الحكومة العاملة مع هذا الشخص المختار .
ومع شديد الأسف، أن يكون التفكير بهذا المستوى المنخفض من الوعي في تشخيص الداء بدقة وموضوعية، ليتسنى تحديد الدواء المفيد الصالح المعالج والشافي للمرض، والتخلص من أخطار المرض ومضاعفاته.
وسبب هذا هو ضيق أفق التفكير الإجتماعي السياسي الواعي ومحدودية نظرته المنفتحة، إن لم نقل فقدانها، وإتساع الهوة والفراغ، وتزاحم المشاكل وصعوبتها، والرضوخ المستسلم للظروف المحيطة، يؤدي الى تحجيم الذات، وجعلها تدور في داخل فلكها وسيطرتها،وليس إستيعابها والإحاطة بها، وتحجيمها والسيطرة عليها، ولذلك ترى الأحزاب تشرق وتغرب، ومن له شغل بتشكيل الحكومة، وإختيار رئيس مجلس وزرائها، متوقعين أنهم أفلحوا في سلامة التشخيص، ونجحوا بالعلاج ؛ وكسب المريض الشفاء التام من علته ومرضه .
والحقيقة هي ليست هكذا، ولا قريبة من ذلك، لأن العلة ليست في النتيجة، ولكن في المقدمات التي تبنى على أساسها، كما يقول المنطقيون .
بمعنى أن السبب الذي أدى الى فشل وإنهيار الحكومات المتوالية في قيادة وإدارة أمور البلاد لا تكمن، او تنحصر فقط في الأشخاص، وقلة تدابيرهم القيادية، لأنه ربما هناك من هو قادر بما يملك من مؤهلات قيادية تجعله متمكنآ وقادرآ وناجحآ في شغل المنصب، ولكن لم يكن السبب الحقيقي في الفشل هو الشخص المتولي المسؤولية، وإنما العلة الإساس، والسبب الحقيقي هو في النظام الإجتماعي السياسي الحاكم، والذي يتولى قيادة البلاد والعباد؟
فعدم تلائم وإنسجام النظام الحاكم مع العقيدة التي نشأ عليها المجتمع وتربى، ومن خلال الفترة الزمنية الطويلة.التي غذته في تكوينه النفسي والعقلي، وما درج عليه من تهذيب السلوك الفردي والإجتماعي، تجعله متنافرآ مع ما يفرض عليه من نظام إجتماعي سياسي مستورد، كالنظام الديمقراطي الرأسمالي بمفهومه الغربي، وعقيدته الملحدة .
فلا يترجى العراقيون الخلاص من كابوس الظلم والتسلط والبطش والقتل وضياع الثروات وفقدان العيش السعيد في ظل امن وسلام، وإهدار الكرامات وتذويب شخصية الإنسان العراقي.وإفساد خلقه، من خلال قسره، والضغط عليه بقبول ما لا يصلح له في قيادة حياته النفسية والمجتمعية في ظل نظام إجتماعي سياسي غريب عليه،.وأ جنبي عنه .
هذا هو التناقض الذي يقع فيه السياسيون الحاكمون الذين تهمهم ذواتهم وأحزابهم من خلال الظفر بالمنصب الرئاسي المتهاوي والمحقق سقوطه، بسبب التناقض والتعارض ما بين النظام ذاته، وما تؤمن به وما تربت عليه القاعدة الجماهيرية التي هي مادة الوجود والتكوين.
https://telegram.me/buratha