أحمد عبد السادة ||
بعد استشهاد والدي على يد جلاوزة البعث في عام 1995 عملتُ بائعاً للسجائر في أحد أرصفة بغداد وعملتُ عاملاً في مطعم، وصعدتُ في "اللوريات" مع عمال "المسطر" الفقراء والمساكين، لكنني كنتُ سعيداً ومتحمساً للحياة والقراءة والكتابة وأشعر بأنني إمبراطور، لأنني بكل بساطة كنتُ أحمل في داخلي جوهرة لا تقدر بثمن وهي جوهرة الرفض: رفض الطغيان البعثي الصدامي، ورفض الواقع الرث والمُذل الذي يفرضه علينا دكتاتور متغطــ-ـــرس ودمــ-ــوي ومهووس بالقمــ.ـــع اسمه صدام، ورفض مهازل الجوقات الشعرية والغنائية وهي تطبل وتردح لهذا الدكتاتور وتمجد حــ-ـــروبه العبثية وحملاته القمــ-ــعية وحفلاته الدمــ-ـــوية.
لقد كان هذا الرفض هو أساس التصالح مع الذات والتحالف مع الضمير، وهو الجبل الذي يعصمني ويحميني من طوفان الاستسلام للطغيان، وهو بصمة الانتصار المعنوي على صدام وجلاديه، وهو الحجر الصلب الثابت الذي أقف عليه وسط الزلازل والذي يجعلني أحترم نفسي ويدفعني للشعور بأن هناك مكافأة معنوية ما تنتظرني في زمان ما لأنني لم أسجد لوثن الدكتاتورية الذي سجد له الكثيرون، ولأنني واجهت هذا الطغيان بالفعل والكلمة والموقف وليس بالرفض الصامت فقط، ففي ذروة الرعب البعثي الصدامي في صيف عام 1995 قمت - مع اثنين من أصدقائي الشجعان - بكتابة عبارة "يسقط الدكتاتور صدام" على جدار مدرسة "العابد" في منطقة العبيدي ببغداد، وهو أمر يعرفه كل سكان المنطقة لأنه أصاب البعثيين في المنطقة آنذاك بالهستيريا والاستنفار.
كما قمت في عام 2001 بكتابة قصيدة رمزية ضد دكتاتورية صدام وقد نشرها الصديق الشاعر حسين القاصد في مجلة "أريج الكلمة" الصادرة عن كلية الآداب بجامعة بغداد، وتم على إثرها التحقيق مع الصديق القاصد من قبل بعثيي الكلية الذين أمروا بإيقاف المجلة، وفي تلك المرحلة أيضاً وقفت أمام كل زملائي في مدرستي الإعدادية وأمام المدرس "البعثي" الذي كان يسجل أسماء الطلاب لضمهم بالإجبار لما يسمى جيش القدس "الصدامي" وقلت له بأني أرفض الانضمام لهذا الجيش لأننا نعرف بأن صدام كان يستخدم كلمة "القدس" كغطاء لإخفاء جــــرائمه وتقوية نظامه القمـــ-ــعي، وقد تدخل آنذاك زميلي وصديقي الغالي سلام مهدي الزبيدي - بسبب خوفه عليّ - وقال للمدرس بأنني مريض، لكنني نفيت ذلك وتمسكت بالرفض، كما كنت آنذاك أرفض كل محاولات البعثيين في منطقتي للانضمام لحزب البعث الذي أحتــ-ـــقره وأحتــ-ـــقر قمعه وتخويفه وملاحقته للناس البسطاء، إلى درجة أنه في ذات يوم انفجرتُ في وجه جارنا البعثي الذي يحاول "كسبي" للحزب أمام باب بيتنا وأمام والدتي وقلت له بالحرف الواحد: "لا أريد أفيد الحزب ولا أريد الحزب يفيدني".
فأجاب بأسلوب يحمل كل وضـــــاعة البعثيين المسلكيين وقال: "بس انت تفيدنا لأن الحزب يريد ناس طيبين مثلك"!!
قلت له بشكل حاسم: "بس انتوا ما تفيدوني". وأغلقت الباب بوجهه. في ذلك اليوم عاشت والدتي المسالمة المسكينة في حالة من الرعب وقالت لي: "يمة أحمد شنو تريد تورطنا انت؟!!!".
أسوق كل هذا الكلام لأرسل رسالة إلى "البعض" وأقول لهم: في زمن الدكتاتورية البعثية الصدامية المرعبة والمظلمة لم أسكت ولم أركع ولم أخضع، فكيف تريدون مني أن أسكت وأركع وأخضع الآن بعد سقوط دكتاتورية صدام وبعد تقديم كل تلك التضحيات للحصول على ثمرة كان صدام يمنعنا من تناولها وهي: ثمرة حرية التعبير؟!
إن الدكتاتور الأكبر صدام بكل جبروته وغطرسته ووحــشيته لم يتمكن من إسكاتي، فكيف ستتمكنون أنتم من ذلك وأنتم مجرد طغاة "صغار" تحاولون أن تكونوا ظلاً ضئيلاً من ظلال صدام أو عدي أو عبد حمود!!!
أنتم واهمون جداً، أيها الطغاة الصغار، لأنني مستعد أن أعود لبيع السجائر في أرصفة بغداد على أن أخضع لتهديداتكم وابتزازاتكم وأنفذ أوامركم وتوجيهاتكم!!
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha