🖊ماجد الشويلي||
في الحلقة السابقة ذكرنا أن من جملة العناصر والخصائص التي انفردت بها الثورة الاسلامية في إيران عن سائر الثورات في العالم ؛ أنها إنبثقت وانطلقت برعاية قيادة علمائية ربانية ، في زمن كان يسود فيه الصمت المطبق على سياسة الشاه ،
ويئن العالم بأسره تحت وطأة الهيمنة الرأسمالية غرباً ، والإشتراكية شرقاً.
لا أريد هنا الاستغراق في ملاكات ومزايا الامام الخميني (رض) ، كي لايطول بنا المقام ، ونبتعد عن الغاية المرجوة من هذه الإثارة .
لذا سأكتفي بالإشارة الى البعد العالمي في شخصيته وقيادته الفذة التي أضفت على الثورة نفحات وجوده المبارك ، فأخذت أبعادها الأممية وتخطت الاطر الضيقة التي كبلت ولازالت تكبل كثيراً من الثورات العالمية وتحجمها.
الأمر الأول :-هو أن الإمام الخميني عالمُ دينٍ ومرجعٌ إسلاميٌ كبير، فمن الطبيعي أن ينشد المسلمون لحركته ويتفاعلون مع مواقفه بمشاعر دينية نبيلة ، نظراً لخاصية الإفتاء التي يتمتع بها فيجد المسلمون أنفسهم على اختلاف بلدانهم أنها تعنيهم وتخصهم لانها تكشف لهم احكام الشريعة في الوقائع والاحداث الجارية .
ففي الفترة التي برز فيها الامام الخميني (رض) لمعارضة الشاه والولايات المتحدة واسرائيل، لم تكن هناك نهضة شمولية بهذا الحجم ، ولم يكن الموقف الشرعي واضحاً بخصوص مواجهة الاستكبار العالمي . إذ إن الحركات الاسلامية(شيعية وسنية) أغلبها تنظيمات حزبية سرية دون تصدي واضح من قبل قيادة علمائية.
وكانت جل الحركات والزعامات قومية.
أما الاسلامية منها؛ فهي لم تكن لتحمل الوضوح والعمق الذي تصدى فيه الامام الخميني لسياسة أمريكا واسرائيل على المستوى العالمي .
كما أن حراكها أي تلك الزعامات إما أنه كان يرتكز على محاولة اجراء اصلاحات محددة في ظل بقاء الطاغية ، أو اسقاط النظام فحسب في أحسن الحالات (أي دون تصور واضح للبديل الأسلامي الصحيح لها.
وحتى التنظيمات التي كانت تحمل مشروع النظام الإسلامي ، فأما أنها لا تعتقد بمنهجية الثورة لتحقيق أهدافها ، أو أنها ليست على استعداد أن تجاهر بعدائها لقوى الاستكبار والدخول معها في مواجهة مباشرة .
وهذه المواجهة لقوى الإستكبار العالمي بحد ذاتها في منهجية الأمام الخميني كانت سبباً لاتساع رقعة تأييد الثورة الإسلامية والتفاعل معها بإيجابية من قبل أبناء الأمة الإسلامية .
الأمر الثاني:- هو تشخيص الإمام الراحل الدقيق لمقتضيات التغيير الجذري في إيران ، ولوازم التحول صوب تفجير الثورة وصياغة النظام الإسلامي وإقامة الحكومة والدولة.
إن هذا التشخيص تمثل بتحديد الإمام لنقطة الشروع التي من شأنها أن تقطع مسافة الألف ميل بخطوة واحدة !!
وهي الإنتصار على الذات ، وهزيمة النفس الأمارة بالسوء والتغلب عليها
وكأنه أدرك هذا المعنى من مضمون سيل من الروايات ((إذا فسد العالِم فسد العالمَ))
فرأى (إذا صلُح العالِم صلحَ العالَم )
فعكف على إصلاح نفسه أولاً بالنحو الذي راعى فيه كل الأبعاد التي تكتنفها النفس البشرية وحقيقة الإنسان،
بدءاً من البعد الروحي والمادي ، وصولا الى البعد الفردي والإجتماعي ، وحتى البعد الدنيوي والإخروي ووصل فيها لمراتب شاهقة جداً .
فقد أحرز ضرورة أن يهيمن على تلك العلوم والمعارف التي يردم بعضها هوة بعض،
كما تردم الفلسفة هوة الفقه ، ويردم العرفان هو الفلسفة، ويرفع من قيمتها جميعا ؛ الجهاد والوعي السياسي في مواجه المستكبرين .
فاستقام ظل مريديه بظل شاخصه ، وتكامل اتباعه بتكامل شخصيته .
فصار شعبه كظله ، يقوم بقيامه ،ويجلس بجلوسه ويتنفس من نفحاته .
الأمر الثالث:- أن الإمام الخميني (رض) لم يكن ليأمر الناس بشئ من مواجهة الطاغوت حتى يأتيه هو بنفسه ويتحمل تبعاته ومسؤولياته .
كان يقول للناس إنني ذاهب لأخوض لهوات
المواجهة فاتبعوني .
ورغم أنه كان أبعد الناس عن الأنانية إلا أنه في المحطات المفصلية من حياة الأمة وحينما تحتدم المواجهة مع الطاغوت تحضر عنده (الأنا ) فيكون ترساً حديداً للدفاع عن الأمة وتحمل الأعباء عنها
(( أيها الشاه أنا سأخرجك من إيران ))، ((أنا من سيشكل الحكومة )) الخ...
لكن حينما يتحقق النصر تذوب عنده تلك (الأنا)
وتتلاشى تماماً (( الفضل ليس لي ولا لكم في نجاح الثورة الفضل كله لله))
أو ((الله هو الذي حرر خرمشهر ))
الأمر الرابع:- هو الفكر العالمي الذي كان يحمله (روح الله )فحينما كانت المعارك مستعرة في الحرب التي فرضها صدام والاستكبار العالمي ضد الجمهورية الاسلامية وكانت قوافل الشهداء تترا كان يقول في إحدى بياناته للمجاهدين والقوات المسلحة الإيرانية (نحن لانقاتل من أجل التراب ، نحن نقاتل تأدية لواجبنا الشرعي)
وفي الميدان السياسي يخاطب السلطة التشريعية ((يجب أن لاتكون تشريعاتكم مختصة بإيران فحسب وإنما للاسلام))
وفعلاً اضحت الدولة الوحيدة في العالم بأسره التي تنص قوانينها على وجوب دعم القضية الفلسطينية ودعم المستضعفين في كل العالم.