🖊ماجد الشويلي||
من أبرز مظاهر التناقضات التي تزخر بها العملية السياسية ، بل والواقع العراقي الذي يتلفع الشعب بدثاره في ظل النظام السياسي الحالي ،أن الشعب العراقي بغالبيته العظمى يجنح للأنفة والخيلاء والأبهة ، وهذا ماشخصته فيه عيون المصريين بإرثها الفرعوني العميق ، حتى ورد في أمثلتهم الشعبية وهم يصفون المتبختر بقولهم((گتك نيلة وإنت عامل زي الوز العرائي)) ، وأحياناً يوبخون المختال والبَطِر هكذا ((ماتتبغددش)) أي لا تكن كأهل بغداد !
وبالفعل فإن العراقيين معروفون بالكبرياء والخصال الحميدة من الكرم ،والشجاعة ،ورفض الضيم ،والخنوع ،تشهد لهم بذلك ثوراتهم وانتفاضاتهم على طول خط التأريخ ،حتى غدت ربوع بلادهم مغرساً لجثامين ضحايا الطغاة والارهاب .
لكن العجيب ما أن تمكن العراقيون من أخذ زمام المبادرة لتحديد نظامهم السياسي ، واختيار حكومتهم ، حتى بدأت الهوة تتسع والفجوة تتعمق بين ثقافة الشعب وخصاله ، وواقع الأداء السياسي والمواقف الرسمية الناجمة عنه .
وخير مثال على ما تقدم هو إقدام الولايات المتحدة على اغتيال الشهيدين الجنرال الحاج قاسم سليماني والحاج أبي مهدي المهندس على الأرض العراقية، وخروج مئات الآلاف من أبناء الشعب العراقي عقب ذلك منددين بالجريمة ، ومصرين على معاقبة مرتكبيها ، حتى أن ممثليهم في مجلس النواب وجدوا أنفسهم مرغمين على استصدار قرار يلزم الحكومة بطرد المحتل والقوات الاجنية بشكل كامل من العراق .
إلا أن الأداء الحكومي والموقف الرسمي اتسم بالرضوخ والتاهون بمحاسبة ترامب ، الذي اعترف صراحة بمسؤوليته عن الجريمة النكراء .
رغم أن المرجعية العليا في خطبة الجمعة التي أعقبت الجريمة ، اعتبرتها انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق والمعاهدات الدولية .
إلا أن الحكومات العراقية لم تتعاطَ مع الولايات المتحدة على هذا الاساس .ولقد قرأنا في بيان رئيس الجمهورية السيد برهم صالح إدانته لقصف الجمهورية الاسلامية إلايرانية لقاعدة عين الاسد رداً على اغتيال الشهيدين
وشاهدنا كيف أن رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي التقى ترامب في واشنطن بحميمية عالية، عبر عنها بأن وجهات نظرهما متطابقة الى حد بعيد،
ولم يتطرق لا من بعيد ولا من قريب لجريمة اغتيال الشهيدين الحاج قاسم سليماني وابي مهدي المهندس .
لكننا وجدنا الإدانة حاضرة لمجرد أن ردت إيران على اغتيال أحد أكبر قياداتها الأمنية ، حتى أن الحكومة استدعت السفير الإيراني لوزارة الخارجية لتسلمه مذكرة احتجاج على انتهاك السيادة العراقية ، في الوقت الذي نفذت فيه إيران هذه الضربة استناداً للمادة 15 من ميثاق الامم المتحدة التي تبيح لها الدفاع عن النفس والرد على الاعتداءات .
في حين أحجمت فيه الحكومة العراقية عن اتخاذ اي خطوة دبلماسية تجاه الولايات ، المتحدة واكتفت بالجهد الدبلماسي الإيراني الحثيث الذي تكلل بانتزاع قرار أممي من المفوضية السامية لحقوق الإنسان ؛يدين الولايات المتحدة على ارتكابها تلك الجريمة الكبرى .
لقد كان من الأولى بالحكومة العراقية أن تتماهى مع خصال شعبها وثقافته بالثأر لإغتيال أحد أبرز قادتها الأمنيين (ابو مهدي المهندس) وضيفها الرسمي (الحاج قاسم سليماني)وهذا المعنى الذي ذكَّر به الإمام الخامنئي رئيس الوزراء العراقي في زيارته لطهران حينما قال له(( أنكم عرب والحاج قاسم كان ضيفاً عليكم ))
ومن هنا وجد الشعب العراقي نفسه هذه المرة ، مضطراً للدفاع عن سيادته بأساليبه الخاصة وعن طريق ممثليه ، لكن ليس في مجلس النواب هذه المرة ؛ وإنما عن طريق ممثليه في قوى المقاومة التي أخذت على عاتقها الثأر لدماء الشهيدين ولو بعد حين .
الأمر الذي تكفله كافة الشرائع السماوية والقوانين الدولية .
فالشعب العراقي يمكن له أن يتحمل الجوع أو الحرمان ، إلا أنه لن يتسامح مع انتهاك كرامته وله من القدرة على الثأر الشئ الكثير .
وهنا تبرز حقيقة سيرضخ لها القانون الدولي وسيتعاطى معها مرغما ؛ أن السيادة مصدرها الشعب وفقاً لقيمه ومثله التي يؤمن بها وليست السلطات فحسب .
بل وأن السلطات لاقيمة لها إن لم تحفظ للشعب سيادته وكرامته .
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha