حسن المياح||
الغباء والغباوة والتقليد الببغاوي والإتباع الجاهلي الجهول الغافل سريع الإنتشار في أوساط السياسيين الذين لا يرتكزون على قاعدة معرفية سياسية واعية صلبة، لأنهم يتداولون ما يسمعون عدوى فيما بين ما يثيره المبهورون بالمصطلحات الفارغة التي لا تعبر عن وعي سياسي, ولا إدراك معرفة تستند الى القراءة الحكيمة الهادفة, ولا الى البحث في المصادر السياسية الأساس, ولا الإستقصاء فيما يدور في عالم السياسة العالمية, وواقع الجدل والتناكف والصراع والتنافس لتحليل ما يثار وما يحدث من مشكلات عويصات، وأزمات دورية ووقتية وحوادث وحادثات، وما يسوق البلدان الى الفشل والإنتكاسات، والى ما يؤدي الى الطرق المسدودة، التي تؤدي الى جمود الحراك السياسي لفقدان مفاتيح الأقفال الحاجزة المقيدة .
إنهم يكررون إجترارآ، ويعيدون مرارآ، كالشاة التي تطحن الطعام مضغآ إجترارآ الذي تلتهمه وتخزنه، وتتسلى به يوم تضطجع على وركيها، لتعيد مضغه من جديد، وكأنه طعامآ طازجآ التو حصلت عليه .
فيرددون أن العصفورة قالت لي، أو عصفورتي قالت لي، أو العصفورة تقول، وهذه العصفور براء لأنها عدم لا وجود لها، وهذه العصفورة هي عصفورتي أشبهها، بل هي الوحي السماوي والإلهام الإلهي الرباني، وحاشا الوحي والإلهام أن يخطر على عقول ومخوخ وخيال السياسيين المتعصفرين تقليدآ، المجترين للمصطلحات الفارغة المضمون، والهواء مادة سياسية، والخواء تحليلآ سياسيآ يخدم القضية التي يتحدث فيها، ويحاول إجترارآ حلها، أو التوصل مقاربة الى تفكيكها وتجزئتها، ليسهل عليه بالتالي تناولها وهو رابض بفخذيه المنفرجتين إسترخاءآ على كرسي القناة الفضائية، التي في إستوديوها يتحدث، ومنه يصرح جلجلة عصفورية، وزمجرة بلبولية، وعلى أشكالها الطيور تجتمع وتقع .
وهم يغيرون التعبير بما تخبرهم عصافيرهم، فإن لكل سياسي ومقدم برنامج عصفوره وعصفورته التي تخبره وتوحي اليه وتبصره، كما أن للشاعر شيطانآ من وادي عبقر، يهيم في خياله ويغذيه تخيلاته، وينطقه مفردات موسيقية وكلمات شعرية يتكون منها بيت القصيدة.
وهنا يبرز لنا إنطباع هيومي ( نسبة الى الفليسوف البريطاني ديفد هيوم الحسي حد النخاع ) الذي يؤكد لنا، أن التحليلات السياسية هي تهويمات خيال، ونقل مشاعر خلابة مجنحة طائرة، وتكهنات سحرية مغامرة خادعة غاشة فيما ينتجه السياسي من قول وتصريح، ويقول هذا هو رايي الشخصي، أو هو التعبير عما تؤمن به كتلتي، أو حزبي، أو تياري، أو التجمع الذي اليه أنتمي وأمثل .
وبحثت كثيرآ ~ كحشرة كتب ( worm book ) كما يقول المثل الإنكليزي ~ في المصادر السياسية، والموسوعات السياسية، والبحوث المعتبرة المعدة كافة، ولم أجد واديآ، أو غابات، أو بساتينآ، أو أشجارآ للعصافير تتجمع فيها، أو تأوي اليها، أو اليها تستريح قليلآ، كما لا أجد وادي عبقر الذي فيه تتجمع شياطين الشعراء، ومنها تطوف وتنتشر وتتلبس الشاعر لينتج قصيدة، أو على الأقل بيتآ من الشعر الذي يشار اليه في الأدب والنقد كمادة أدبية تصلح للتحليل والتفسير والنقد الأدبي .
يظهر أن السر الكامن والأساس في تقلب إنتماء السياسيين العراقيين هو حياة وموت العصافير التي اليها يلجأؤون، ومنها ينهلون، ومن لسانها يرتشفون، ولما كان عمر العصفور والعصفورة يعد بالأيام والأسابيع، والمحظوظ منها يبقى أشهرآ وربما سنة، وربما ينوف عمره بقليل من الأيام على السنة، وهذا قليل نادر ، ويموت . ولذلك يضطر سياسينا العراقي ~ بعدما تموت عصفورته الملهمة له رحمها الله ~ أن يتقلب باحثآ ومفتشآ في وادي العصافير، عله يجد عصفورة فارغة خالية يلجأ اليها وينتمي، حتى تزقه حلمآ فانتازيآ معتادآ، وإستيحاءآ عصفوريآ حزبيآ جاهزآ معلبآ، ويقدمه الى الناس على أنه وحي سماء، أو إستنباط عقل سياسي، أو إبداع ذهني، في التحليل، أو أنه سوق وتقديم معلومات، لا تهويمة عصفور من وادي العصافير المختلق، وأن عصفورته ( أو عصفوره، وقد ظلمنا البلبول هنا، ولكنه يختص وحيه وإلهامه وينتج تغريداته ويوتوبياه في التغريد والتغريدات ) هي التي أوحت له هذه الفكرة، وأدلت له بهذه المعلومة، وأرشدته وعيآ بإحكام، لبثها في صراخ مزمجر راعد، وأنه سبق خبري جديد، في الفضائية التي يتقاول معها في الظهور، للإعلان والتصريح، والتهديد والتنديد .
فالسياسي العراقي ( وكل مسؤول ومقدم برنامج ومتحدث ) عمر تصريحه بعمر عصفورته أو عصفوره، وربما ينقلب على هذا العصفور الذي لا يثريه دولارات ولا وظيفة ولا منصبآ الى آخر أكثر منه عصفرة رابحة مغنية، ولما تموت العصف…
https://telegram.me/buratha