🖊 ماجد الشويلي||
توارث الشيعة من أئمتهم (عليهم السلام) أهمية الحفاظ على الدولة وعدم تعريض أمنها ومقدراتها للخطر .
فالامام علي (عليه السلام )الذي ماتأسست الدولة الاسلامية لولا تضحياته واستبسالاته،
قد طوى عن الحكم كشحاً مادام المسلمون في وحدة وأمن وأمان
وهو القائل ؛
((لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، ووالله لاسلمن ما سلمت امور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة))
دون ان يخفي معارضته للخلفاء(الحكام) وانتقاداته لهم.
لكنه لم يدخر وسعاً في نصحهم وأرشادهم،
ولم يسجل التاريخ عنه بانه تقوى بحليف خارجي ضد الدولة لانتزاع الحكم تحت ذريعة الاستحقاق والارث والاولوية أبداً.
حتى ذلك التاريخ الذي كتب بيد مناوئيه، لم يجرؤ على اتهامه بالتآمر على الدولة وقلب نظام الحكم فيها .
فعلي ع المحكومة هو علي ع الحاكم !!بسمته ،وسجاياه ،ونبله ،وشهامته، لم يكن براغماتياً في لحظة من لحظات حياته .
نشأ الشيعة في ظل تعاقب أئمتهم الذين رسخوا في وجدانهم وضمائرهم أولوية الحفاظ على الدولة ومؤسساتها.
فالامام السجاد ع الذي قتلت الدولة ألأموية أباه الحسين ع وسبيت نساءه كان يدعو لجيشها باروع مايمكن تصوره من فنون الدعاء (دعاء أهل الثغور)
ولم يكن ليغلِّب خلجاته ونزعاته النفسية على أمن تلك الدولة واستقرارها .
الشيعة الذين ربتهم أدعية اهل البيت ع وخصتهم برؤية فلسفية خاصة لطبيعة الصراع الازلي المحتدم بين الخير والشر
وتجلياته الزمكانية ، كانت الدولة تمثل لهم مرتكزاً عقائديا ، ووسيلة مقدسة تجود بها العناية الالهية عليهم لنيل كرامة الدنيا والاخرة .
ومن هنا تجد أن واحداً من أهم الادعية المؤكد عليها في شهر رمضان المبارك هو دعاء الافتتاح الذي تضمن هذه الفقرة اللافتة؛
((اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله ))
يذكر أن وفد علماء لبنان حينما زاروا النجف الاشرف كان الشيخ محمد جواد مغنيه يشرح للامام الخميني (رض) معاناة الشيعة في لبنان والامام الخميني يجيبه لابد من سقوط الشاه كلما كرر عليه الكلام !!
أي لابد أن تكون لنا دولة حتى نتمكن من مساعدتكم !!
لذا ترى المعارضة الشيعية في العراق رغم انها استمرت لعقود طويلة واختارت الكفاح المسلح ضد سلطة البعث الغاشمة،
لم تعمد لاستهداف مؤسسات الدولة مطلقا
رغم قدرتها على ذلك .
فلم تضرب محطة لتحلية المياه ، ولم تفجر انبوباً لنقل الغاز ، ولم تهاجم المدارس والمستشفيات ابدا.
ومن المعلوم ان هذا المنحى يصب في مصلحة النظام من جهة ، ويطيل من أمد غربة المجاهدين ، ويباعد من تحقيق هدفهم في اسقاط النظام .
فيمكن لنا القول بأن الشيعة كانوا ضد الحكومات التي تعاقبت على حرمانهم ، ومارست بحقهم سياسات القمع والاذلال.
لكنهم لم يكونوا يوماً ضد الدولة ومؤسساتها ، رغم ان بعض مؤسسات الدولة كانت تمارس بحقهم سياسات ظالمة ومجحفةللغاية.
بل إن الشيعة لايجدون انفسهم ملزمين بطاعة الحكومة الشيعية إن لم تكن مرآة للثقافة التي نشأوا عليها في إطار مدرسة أهل البيت ع .
وهذا مايفسر لنا في أحد جوانبه تمركز الاحتجاجات والتظاهرات في المدن الشيعية ، رغم أن الحكومة الحالية بشكل وآخر محسوبة عليهم.
على العكس من اخواننا السنة فأن الاولوية لديهم هو الحكومة حتى وإن كانت على حساب مؤسسات الدولة .
وقد تبين هذا جلياً في الفتاوى التي زعموا أنها لمقاومة للاحتلال .
وبطبيعة الحال ليس المقصود هنا هو اخواننا السنة بشكل مطلق لكنها السمة الغالبة لهم .
كانوا يثأرون لخروج الحكم عنهم ، ويعملون جاهدين لاستعادته حتى لو ادى ذلك لتقويض مؤسسات الدولة برمتها.
وشاهدنا كيف ضربت الاعمدة الناقلة للكهرباء وفجرت انابيب النفط والماء والهجومات المتكررة على بعض الوزارات .
وقطعا هذا ليس تجنياً او تهماً من نسج اوهامي ابداً ؛ وانما هناك تصريحات معروفة ومشهورة لشخصيات سياسية سنية كبيرة اوردوها من على شاشات التلفاز تسرح ذلك.
ويأتي دور المقاومة الشيعية هنا ليؤكد أن مقاومتهم في ظل الحكومة الشيعية دون أن يضعوا أعتبار الى أن هذه المقاومة قد تضعف حكومتهم او تخرج السلطة من أيديهم ماهي الا تعبير عن فهم متأصل في قيمهم ومعتقداتهم لاهمية الدولة وماهيتها .
يذكر أن حركة المقاومة حماس بمجرد وصول الاخوان المسلمين للحكم في مصر دخلوا في هدنة مع الكيان الصهيوني لانهم كانوا يعتقدون أن أولويتهم هي نجاح تجربة الاخوان في الحكم ؛ حتى لو كان ذلك على حساب مقاومتهم للكيان الصهيوني الغاصب.
وفعلا كانت هذه أولوية الحكومة الاخوانية في مصر ، والتي ابقت على علاقاتها مع الكيان الصهيوني واتفاقية كامب ديفيد على ماهي عليه.
على العكس تماما من الشيعة في أيران الذين غامروا بالحكم حينما دافعوا عن فلسطين وقاوموا السياسة الامريكية في عموم العالم والمنطقة.
لانهم يعتقدون أن الدولة لاتكون دولة الا حين تضطلع بمسؤولياتها مهما كانت جسيمة.
فليس بمقدورهم ان يفهموا معنى لدولة ترزح تحت نير الاحتلال .
هم لايفهمون معنى للدولة التي تتخلى عن مسؤلياتها تجاه اشقائها في الدين والنسب،
ولايفهمون معنى للدولة التي لاتمتلك قرارها وتبسط سيادتها بقوة.
هذه هي فلسفة المقاومة في العراق .
انها تعني ترسيخ وتمتين دعائم الدولة، لا اضعافها كمى يتصور البعض .
نعم قد تكون مضعفة للحكومة لكنها على المدى الستراتيجي السبيل الوحيد لجعل الحكومة منسجمة في موقعيتها مع مهام الدولة الرصينة .
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha