🖊ماجد الشويلي ||
لا أعتقد بأن دوافع الاجتياح التركي للاراضي العراقية ناجمة عن ملاحقة حزب العمال ؛ حتى يقف عند حد مطاردتهم واضعاف قدراتهم فحسب.
فنشاطات هذا الحزب في الظرف الراهن ،لم تكن بتلك الفاعلية والخطورة التي شهدتها ثمانينيات القرن المنصرم ، والتي ابرم العراق وتركيا على وقعها اتفاقية (الملاحقة الحثيثة) عام 1984 ؛ وهي تبيح لكل منهما التوغل بحدود الدولة الاخرى لمسافة 10 كم.
وبالفعل فقد نفذت تركيا مابين عام 1984_1988 ثلاث عمليات كبرى، لملاحقة حزب العمال داخل الاراضي العراقية.
أما الان فالامر مختلف تماماً ، والمعطيات تغيرت بشكل كبير. إذ إن الحزبين الحاكمين في اقليم كوردستان تربطهما علاقة تعاون اقتصادية وامنية كبيرة مع تركيا؛ جعلتها الخاصرة التي يتنفس منها اقتصاد الاقليم ، ويقف على رجليه في مناكفاته مع الحكومة المركزية ببغداد.
نعم قد يجد أوردغان أن الفرصة باتت مواتية للقضاء على p.k.k كما صرح هو بذلك ؛ من ((أن انقرة باتت على وشك انهاء مؤامرة عمرها 34 ))
وأن ما تبقى من مقاتلي هذا الحزب في الاراضي العراقية لايتعدى 2000 مقاتل .
فلوكانت هذه هي المهمة فحسب ؛ لما كان مضطرا لاقامة قواعد عسكرية كبيرة في شمال العراق، هي عرضة لشن مجاميع هذا الحزب هجماتهم عليها. بل لما كان مضطرا للمغامرة بعلاقاته مع الحكومة الاتحادية في بغداد، ويسجل على نفسه ادانة قانونية أمام المجتمع الدولي.
بتقديري أن الامر ابعد من ذلك بكثير،
فأردوغان أدرك أن قبضة الولايات المتحدة في المنطقة باتت ترتخي شيئا فشيئا ، وأن القرار الإستراتيجي الذي اتخذه محور المنطقة، بحتمية أخراج القوات الاجنبية من منطقة غرب آسيا ، بات أمراً محسوماً وله مؤشراته ومعطياته على الارض .وأن أمريكا ستحزم حقائبها وتخرج من المنطقة قريبا ، وهذا ما حاول ترامب القيام به بالفعل ؛ لولا الضغوط الاسرائيلية والامريكية التي مورست عليه من داخل دوائر صنع القرار الامريكي ، وتحديدا من المحافظين الجدد.
فقد نقلت مجلة فورين بوليسي (مجلة صناع القرار) عن عالم السياسة الشهير ستيفن والت قوله:
((هناك دعوات من الخبراء السياسيين الاميركان يدعون لفك الارتباط بالشرق الاوسط، ويبدو أن هناك اتفاق عريض لمغادرته))
ولذا تجد أن اردوغان حاول القيام بخطوة استباقية ؛ لتأمين حصته من الكعكة ، بوضع يده على شمال العراق تحسباً لخروج امريكا المفاجئ من المنطقة. وماسينجم عنه من اعادة لهيكلتها على أسس جديدة.
خطوة تشبه لحد ما ماكان يقوم به القرصان (كابتن مورغان) ، الذي كان يقف على ساحل البحر منتظرا القراصنة المنهكين، والمحملة سفنهم بالغنائم فينقض عليها دون عناء وجهد.
فامريكا ماكان لها أن تفكر ولو لمجرد التفكير بالخروج من المنطقة، لولا حيوية وفاعلية محور المقاومة بقيادة الجمهورية الاسلامية في أيران ، التي عملت بإستراتيجية النفس الطويل وقوضت كل مشاريعها في المنطقة وجعلت امن اسرائيل تحت رحمة صواريخ المقاومة.
ومن خلال ماتقدم يبدو لي أن اردوغان قد قرأ العقوبات الامريكية على سوريا بـِ "قانون قيصر"
؛ على انها عجز اضافي عن مجاراتها لسياسة ايران في المنطقة . فحين تلجأ امريكا لاسلوب الحصار ، فذلك يعني أنها تخشى المواجهة المباشرة مع قوى المقاومة، وأن محور المقاومة لايمكن أن يسمح بسقوط سوريا وحزب الله.
فما تم حمايته بالدم لايمكن التنازل عنه برغيف الخبز،
وأن ماتخشاه امريكا لاتخشاه ايران ولاحزب الله ؛ كما قال السيد حسـ ـ ـن نـ ـصـ ـر ا...
((أن من يريد قتلنا بالجوع سنقتله بالسلاح))!
وهذه ليست مجرد جملة حماسية تعبوية ،وانما هي تعبير عن جهوزية تامة لاتخاذ قرار المواجهة والانتصار فيه.
مواجهة لن تقتصر على قيام حزب الله بضرب اسرائيل، بل ستكون مواجهة شاملة تمتد من طهران الى اليمن مرورا بالعراق وسوريا، وقطعا ستفتح معها جبهة غزة وحتى الضفة الغربية، وسيتغير معها وجه المنطقة.
والمؤشرات على هذا السيناريو تترا.
فالوضع في العراق لايبدو أنه يسير نحو الاستقرار ، رغم ان ايران حاولت النأي بنفسها عن المشهد السياسي فيه ، لضمان استقراره النسبي على الاقل ؛ لتتفرغ لملفات شائكة اخرى في سياق المواجهة الكبرى مع امريكا ومعسكرها.
ومن هنا وبحسب اعتقادي ، جاءت خطوة اوردغان الاستباقية بوضع يده على مناطق شمال العراق ، ضاربا بذلك عرض الحائط مصالحه مع الاقليم الكوردي، ليمنع بحسبه ؛ (تفرد ايران بقيادة المنطقة لوحدها).
كما انه حاول ان يرسل من خلال هذه الخطوة برسالة الى الامريكان؛ مفادها انكم يمكنكم الاعتماد عليَّ في المنطقة، فأنا أي تركيا هو الضد النوعي لايران، وكما أن لايران حلفائها من الشيعة في المنطقة، فان العالم السني _بحسب مايعتقدون _بحاجة لقيادة بديلة عن السعودية ومصر، تعزز من هويتهم وتخرجهم من مأزق الهوان الذي كابدوه تحت رعاية المملكة السعودية.
ومن جهة أخرى فتركيا التي لازالت عضوا فعالا في حلف الناتو؛ بالامكان التعويل عليها للعب دور إستراتيجي لضمان مصالح الغرب في المنطقة.
ومن يدري فقد نسمع قريبا مطالبة الاتراك بشمال العراق، الذي تنازلوا عنه في اتفاقية لوزان شريطة ان يبقى العراق موحدا.
فليس اعتباطا ان تقوم وسائل الاعلام التركية في هذا الوقت ، بنشر خارطة لتركيا تتضمن المحافظات العراقية في الشمال.
وانما هو تعبير عن ستراتيجيتها القادمة في العراق والمنطقة.
ــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha