ضياء ابو معارج الدراجي ||
لم اكن قد بلغت سن الرشد في شهر حزيران عام ١٩٨٩ كان عمري وقت ذاك سبعة عشر ربيعا وكنت متمتع بالعطلة الصفية بعد ان اعفيت من الامتحانات النهائية بجميع المواد للصف الخامس العلمي وناجح بتفوق الى السادس العلمي .لا زلت اذكر ذلك اليوم ٣ حزيران عام ١٩٨٩ كنت مع ابن خالي الذي يصغرني بثلاثة شهور نعمل بنقل طابوق البناء من الشارع الى داخل قطعة الارض المجاورة لدارنا بغية تحضير العمل لبناء دار جديدة كنا في وقتها لا نملك وسائل الترفيه الحالية ونعمل مستمتعين بصوت جهاز الراديو الصغير الذي وضعته على سياج الدار الذي يبث اغاني عراقية ومصرية متنوعة من اذاعة صوت الجماهير العراقية ليُقطع الارسال و يُذاع خبر وفاة (الخميني) بعشر كلمات فقط ثم اغنية هالليلة ليلة من العمر تسوه الف ليلة للمطرب العراقي رضا علي دلالة على الفرحة. وقتها ونحن المراهقين انتابنا الفرح انا وابن خالي على هذا الخبر الذي اعتبرناه مفرح كوننا خارجين من مرحلة الطفولة الى الشباب وقد دست في عقولنا الاف الافكار البعثية في مناهج الدراسة وخصوصا ضد الاحزاب الاسلامية والشعوبية والرجعية وما الا ذلك في درس الوطنية على مدار ١١ عام وكذلك الاثار النفسية لحرب الثمان سنوات بيننا وبين ايران التي بدأت منذ طفولتنا وانتهت بمراهقتنا بحيث تم غسل ادمغتنا كاملا ضد ايران والخميني واصبح المادح لايران مجرم منتمي لحزب الدعوة العميل ويجب ان يعدم في الشارع مباشرة بدون محاكمة على يد اي بعثي مهما كانت درجته الحزبية ونكون مفتخرين بعمله ذلك مصفقين له.
لقد اختلفت كل مفاهيمنا بعد ذلك اليوم و خصوصا بعد ايقاف والدي العمل ببناء دارنا الجديد الذي توافق مع تغير التعامل الامني معنا بعد دخولنا سن الرشد عام ١٩٩٠ بعد شهور من وفاة روح الله الخميني (قدس) لنصبح هدف للأجهزة الامنية العراقية فكان ممنوع علينا ارتداء الملابس السوداء وممنوع علينا تربية الذقون وممنوع علينا اقتناء الكتب الدينية وخصوصا الشيعية منها وممنوع علينا التجمعات الشبابية والكثير من الممنوعات التي تصب في تعزيز هويتها الشيعية التى نفتخر بها رغم عدم ايماننا الديني.
سن الثامنة عشر هو سن الخدمة الإلزامية لكل شاب عراقي دون استثناء وقد انقذني منها تفوقي الدراسي لتغض مضجع ابن خالي المسكين الذي وشم بلقب هارب حتى سقط النظام عام ٢٠٠٣.
كان استهداف النظام لنا في كل شيء يظهر هويتنا الشيعية هو المحرك الأساس لبحثنا عن الاسباب التي دفعته لذلك واعطتنا الزخم لاقتناء ما يمنعنا منه لنفهم الحقيقة المرة التي حاول النظام البعثي اخفائها عنا بكل الوسائل
لنفهم بد ذلك اننا كنا نكن العداء لامام شيعي قائد لاكبر ثورة سلمية اسلامية غيرت نظام بهلوي ايراني ملكي الى نظام اسلامي محمدي نقي لتبدأ رحلتنا نحو الحقيقة منذ بلغنا سن الرشد وكان للانتفاضة الشعبانية عام ١٩٩١ بعد هزيمة البعث في احتلال الكويت الاثر الكبير في فهمنا النظام البعثي القمعي ذو الوجة الحقيقي لزهدة بدماء ابناء الجنوب الشيعة ليملئ بهم مقابر جماعية أحياء بلا غسل ولا كفن ولا صلاة جنازة ويطارد اهلهم الاحياء ويحاربهم في معيشتهم فقط لانهم ثاروا ضد طغيانه وظلمه لهم وطالبوا بحقوقهم في حرية الحياة واختيار المذهب و طقوسه الدينية
بعد نكسة شعبان وقتل الاف العراقيين بيد الجلاد البعثي عدت الى دراستي و كذلك للعمل في انهاء بناء ذلك البيت المشؤوم الذي لا يقبل ان ينتهي الا بموت احد افراد عائلتي كلما وضعنا يدنا فيه منذ وفاة روح الله الخميني قدس في ٣ حزيران عام ١٩٨٩ وحتى وفاة زوجت ابي فية في ٢٠ تشرين الثاني عام ٢٠٠٠
احد عشر عام يخطف منا الاروح حتى اكتمل ببناء بسيط جدا لا يصلح للعيش فيه.