أحمد عبد السادة
مات صدام.. واقتلع اسمه من ملفات الوجود.. ليلحق بركب حقبة مريرة كان ـ أي صدام ـ أعتى صناع زوابعها الدموية السوداء. بقدر ما تبدو هذه الجملة واقعية وحتمية بقدر ما تبدو غير مقنعة وغير نهائية بالنسبة للكثير من العراقيين وخاصة أولئك الذين اكتوت اجسادهم وأرواحهم وأحلامهم بجحيم السلطة البعثية ـ الصدامية الساقطة.
الهبوب اللامقنع لتلك الجملة السالفة الذكر ينبثق من ان تلك الثقافة السلبية المدعومة تاريخياً التي انتجت صدام.. ما زالت إلى الآن تمد، في الأرض العراقية، جذورها السرطانية التي لا تعتاش إلاّ على تسميم الهواء وانتهاك ملامح الثقافة الايجابية ومنعها من أداء وظيفتها الحضارية بتقديس الخير والحق والجمال.
في تاريخ العراق الحديث - وربما حتى القديم - لم تهب تلك الثقافة السلبية نبضها المسموم الى احد مثلما وهبته الى صدام، وبالمقابل لم يوفر صدام جهداً من اجل إذكاء نار تلك الثقافة بإضفاء المزيد من ابتكارات الرعب على فعاليات الآلة الغاشمة التي انتجته.. تلك الآلة الآكلة لكل ما هو جميل ومتحضر، فقد اندغم صدام بتلك الثقافة واندغمت به بشكل لا يوازيه مثيل، إذ يمكن أن نقول بأن تلك الثقافة وصدام مارسا نوعاً مقيتاً من تبادل المنفعة فاعتاش أحدهما على الآخر.
تشبه شخصية صدام ـ بثقافتها الذكورية الطاعنة في التوحش ـ شخصية الدكتاتور "كاليغولا" في مسرحية "كاليغولا" للكاتب الفرنسي الكبير ألبير كامو، إذ يقوم كاليغولا بقتل الناس بشكل فوضوي مدعيا بأنه يملك حق الآلهة في مصادرة حيوات الناس.. وواصفاً فوضى القتل هذه بنظام الكون الطبيعي!.
ما أشد ما تلفت الانتباه الجملة التالية في مسرحية كامو: "الناس يموتون لأنهم من أتباع كاليغولا، ولأن جميع الناس من أتباع كاليغولا فلا بد أن يموتوا والمسألة مسألة وقت وصبر". تلك هي الفلسفة المجرمة التي دفعت كاليغولا وهتلر وصدام والزرقاوي.. والتي ما زالت تدفع العديد من القتلة لتبرير جرائمهم بحجة انهم يحكمون باسم الله أو باسم الحقيقة المطلقة التي يظنون انها مستوطنة في عقولهم فقط!!.
لقد انتهى صدام كجسد قادر على القتل.. لكنه لم ينتهِ كثقافة قادرة على القتل أيضاً (هذا يشمل بالطبع ثقافة الذين ينتقدون صدام ويمارسون أساليبه)، ولذا يجب أن لا نستخف مطلقا برماد صدام لأن خلف رماده هذا تكمن تلك الثقافة التي صنعته وهتفت له وافتدته بالروح وبالدم من قبل والتي ستبقى تهتف له وتطوف حول قبره حالمة بمجيء" صدام" آخر بزيّ مختلف يبعث من جديد سنواته الموحلة والمتخمة بالقحط والعنف الديناصوري.
من أجل أن لا يعود الموت ويطلق العنان لأصابعه كي تكفّن جسد الحياة والحضارة بالسواد الكث، فإننا نطلب ان يكتمل إعدام صدام بإعدام أو ـ على الأقل ـ إعاقة وتطويق الثقافة الظلامية التي انجبته والتي ستبقى مصنعاً مفتوحاً للطغاة إن لم تُردع.
من الطبيعي القول إن الطريق الى تحقيق مطلبنا هذا.. هو طريق تسكنه وعورة مهولة.. لكن أتمنى ـ الآن على الأقل ـ أن لا نصل إلى مرحلة من التشاؤم تجعلنا نشعر أن مطلبنا المنقذ هذا منقوش أبداً.. على سقوف المستحيل.
https://telegram.me/buratha