ماجد الشويلي
السيد محمد باقر الصدر (رض)
موت الارادة
المشهد الثالث: موقف زعماء البصرة
الإمام الحسين يكتب إلى ستّة من زعماء البصرة يختارهم من اُولئك الذين لهم ارتباطات مع خطّ الإمام عليّ عليه السلام فإنّ زعماء البصرة على قسمين: زعماء مرتبطون مع خطّ بني اُميّة وخطّ عائشة وطلحة والزبير، وزعماء يرتبطون مع خطّ الإمام عليّ ومدرسته، فيختار الإمام الشهيد ستة من الاشخاص الذين يرتبطون بمدرسة الإمام عليّ ويشعرون بالولاء لمفاهيم هذه المدرسة وشعاراتها وأهدافها، ويكتب اليهم يستنصرهم ويستصرخهم ويشعرهم بالخطر الدائم الذي تواجهه الاُمّة الإسلامية ممثّلاً في كسرويّة وقيصرية يزيد بن معاوية، فماذا يكون ردّ الفعل لهذه الرسالة؟ يكون رد الفعل ـ إذا استثنينا شخصاً واحداً وهو عبد الله بن مسعود النهشلي الذي كتب مستجيباً ـ هو البرود المطلق، أو الخيانة، إذ يبعث أحدهم برسول الحسين إلى عبيد الله بن زياد وكان وقتئذٍ والياً على البصرة (صدّقوا: أنّ هذا الشخص الذي قام بهذا العمل هو من شيعة عليّ بن أبي طالب، ولم يكن عثمانياً، بل كان علويّاً، ولكنّه علوي فقد كلّ مضمونه، فقد كلّ فقد كل مضمونه، فقد كل معناه، فقد كلّ إرادته) أخذ الرسول مع الرسالة إلى عبيد الله بن زياد لكن لا حبّاً لعبيد الله بن زياد، ولا إيماناً بخطّ عبيد الله بن زياد، بل حفاظاً على نفسه، وإبتعاداً بنفسه عن أقلّ مواطن الخطر، خشية أن يطّلع في يومٍ ما عبيد الله بن زياد على أنّ ابن رسول الله كتب إليه يستصرخه وهو لم يكشف هذه الورقة للسلطة الحاكمة وقتئذٍ، فيُتّخذ هذا نقطة ضعف عليه، فلكي يبتعد عن أقلّ نقاط الضعف، ولكي يوفّر له كلّ عوامل السلامة، وكلّ ضمانات البقاء الذليل أخذ رسول الإمام والرسالة وقدّمهما بين يدي عبيد الله بن زياد، فأمر عبيد الله بن زياد بالرسول فقتل (رضوان الله عليه).
شخص آخر من هؤلاء الزعماء الأحنف بن قيس الذي عاش مع خطّ جهاد الإمام علي وعاش مع حياة الإمام عليّ عن قرب، وتربّى على يديه، ماذا كان جوابه لابن الإمام عليّ؟ أمره بالتصبّر والتريّث وقال له في رسالة أجاب بها على رسالته: ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون معرّضاً بالطلبات التي كان الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام يتلقّاها من شيعته. وفي الواقع كانت رسالة الأحنف تعبّر عن أخلاقية الاُمّة المهزومة، فإنّ الاُمّة في حالة تعرّضها للهزيمة النفسية، وفي حالة فقدانها لإرادتها وعدم شعورها بوجودها كاُمّة تنشأ لديها بالتدريج أخلاقية معيّنة هي أخلاقية هذه الهزيمة. وأخلاقية هذه الهزيمة تصبح قوّة كبيرة جدّاً بيد صانعي هذه الهزيمة لإبقاء هذه الهزيمة وإمرارها، وتعميقها وتوسيعها، ويصبح العمل الشجاع تهوراً والتفكير في شؤون المسلمين استعجالاً، ويصبح الاهتمام بما يقع على الإسلام والمسلمين من مصائب وكوارث نوعاً من الخفّة، واللاتعقّل، نوعاً من العجلة وقلة الأناة، نوعاً من التسرّع في العمل أو التفكير.
هذه الأخلاقية هي أخلاقية الهزيمة التي تصطنعها الاُمّة لكي تبرّر هذه الهزيمة حينما تُهزم وتشعر بأنّها قد انتهت مقاومتها، فتنسج بالتدريج مفاهيم غير مفاهيمها الاُولى، وقيماً وأهدافاً ومُثُلاً غير القيم والمثل والأهداف التي كانت تتبنّاها في الأوّل، لكي تبرّر أخلاقياً ومنطقياً وفكرياً الموقف الذي تقفه.
فالإمام الحسين عليه الصلاة والسلام كان يريد ـ في الواقع ـ أن يبدّل هذه الأخلاقية، ويصنع أخلاقية جديدة لهذه الاُمّة تنسجم مع القدرة على التحرّك، والارادة حينما كان يقول: "لا أرى... والحياة مع الظالمين إلاّ برماً" لم يكن هذا مجرّد شكوى، وإنّما كان عمليّة تغيير لأجل إيجاد أو ـ في الواقع ـ إرجاع هذه الأخلاقية الاُخرى التي فقدها الأحنف بن قيس، وفقدها كل الناس الذين مشوا مع الأحنف بن قيس.
https://telegram.me/buratha