الحكومة واشياعها والمدنيين المنافقين انموذجاً
عبدالله الجزائري
اذا اردنا وصفاً وانموذجاً معاصراً ومشهوداً للاخسرين اعمالاً في هذا العصر وفي المشهد العراقي فهم جماعات الفرص والمصالح التي ظهرت بعد انهيار الدولة ومؤسساتها وفي اجواء الفوضى السياسية والاجتماعية،وجدوا انفسهم في مواقع المسؤولية بعد ان جيء بهم من البدو ليصبحوا في غفلة من الزمن ساسة البلد، فظنوا انهم اصبحوا فقهاء في السياسة ويحسبون انهم يحسنون إدارة الصراعات والازمات، لكنهم في كل ازمة وتهديد وصراع ومواجهة وعدوان، يتخذون من العقلانية والواقعية والنأي بالنفس والصبر الاستراتيجي، شعاراًت يرفعونها على الرماح كمصاحف يريدون بها تعطيل اي جهد او دعوة او فتوى لاتخاذ قراراً حازماً وحاسماً ورداً مكافئاً ومناسباً للحدث،
هذا الوصف وللاسف والحسرة ينطبق على حكومتنا المتخاذلة كما ينطبق على بعض الساسة والكبراء واهل الحل والعقد في البلاد، التابعين او المؤيدين لها ولفلسفتها ولمذهبها الاميركي والبريطاني باذعان او على استحياء واستخفاء وصمت، وكلما طرأ خطب او حلت مصيبة او انكشفت فضيحة شكلوا لجان وعقدوا اجتماعات، لا تسفر بعد طول انتظار الا عن تكرار واجترار البيانات والاستنكارات البائسة والتفكير تارة اخرى بالتحضير لجلسات طوارئ للبرلمان مخرجاتها على اعلى تقدير التحرك نحو مؤسسات دولية مشتركة في العدوان ليس لها من الامر شيء سوى التبعية لواشنطن وتل ابيب، وكل ذلك لعب ولهو وضلال مبين،
ولقد جربتم وخبرتم الامم المتحدة ومجلس الامن غير مرة فما زادوكم الا ظلماً وجوراً، ولقد علمتم ما هؤلاء ينطقون بالحق ولا يدينون الباطل ولا يجرأون على معارضة واشنطن وانكم ترون كيف اتصل اليوم بومبيو ودعم العدوان الصهيوني، حتى روسيا الحليفة قد التزمت الصمت مع الصامتين، وفوق ذلك كله، يصدر اليوم بيان هيئة الحشد باهتاً لا قوة ولا جرأة فيه ولا وعيد، ولا يرقى الى مستوى العدوان وحجم الخسائر، والاعداء اليوم يفقهون لغتنا ومنطقنا وتفكيرنا اكثر منا، فنحن مكشوفون للعدو طوعاً، واذن فلا خير في كثير من نجوانا ولا بياناتنا الجوفاء الا اذا تحولت الى افعال واعمال،
هذا صنف اول من الناس، وصنف آخر من فصل وجنس آخر هم مزيج من ادعياء التمدن والتنوير من اهل النفاق والشقاق، مؤكدو ومكرسو الفتنة والبلاء ومرتزقة واشنطن والخليج وبقايا وأيتام النظام المقبور وشذاذ الآفاق، من الذين افرزتهم تجربة الديمقراطية واعتدت لهم متكئاً ومقعداً في البرلمان، وآخرين منهم من اعطته حرية مفرطة ودور في الاعلام ومواقع التوصل الاجتماعي فشكلوا جيوشهم الإلكترونية وأخذوا يبثون سمومهم وسحرهم ويوجهوا الرأي العام، فانكشفت حقيقتهم وطبيعة اهدافهم، وقد بدت البغضاء من افواههم بحق الحشد الشعبي المقدس وبحق كبار المراجع والفقهاء الامناء على الدين والملة والامة، كما تبدت بحق قيادات الحشد والسياسيين الوطنيين،
والغريب في الامر ان كلا الصنفين يشتركان بالنتائج وان اختلفا في المقدمات وكلٌ يدعو الى الواقعية دون ان يحدد معناها كما هو الحال في مفهوم المدنية الفضفاض، وهذه الواقعية التي يروجون لها تختلف بطبيعة الحال عن "الواقعية السياسية" وتختلف ايضاً عن "الامر الواقع"، فالامر الواقع هو واقع فرضته ظروف وضغوط وشروط يمكن ان تزول وتتغير ويرتفع معها الامر ويتغير الواقع، واما الواقعية التي ترددها السنتهم وكتاباتهم، فهي ذلك الاستسلام المطلق الذي يتنازل معه المرء عن كل قِيمه ومبادئه وهويته ودينه وثوابت تاريخه وحضارته وفوق ذلك ارضه، ولا يرى أتباع وأنصار هذا المعنى مفر من هذا الواقع ولا امكانية تغييره ومقاومته، بل ترسيخه وتجذيره، ديمومة لمصالحهم,
وقصارى القول ان حقائق القوة ومعادلات الردع والرعب هي التي توسع الخيارات السياسية وترسم المسارات الدبلوماسية وتفرض التسويات، وليس العكس، والمقولة الشهيرة اذا اردت السلام فاستعد للحرب قيلت بناء على تجارب التأريخ وسننه وليس اعتباطاً او بدعاً من القول ً، ومنطق القوة هو اساس نظرية الواقعية السياسية في العلاقات الدولية، وتتفرع منها نظرية الرجل المجنون الاميركية في عهد الرئيس نيكسون وكيسنجر، والتي تبنتها ادارة ترامب، ظناً منهم انهم قد يستعيدون بذلك امجاد وهيبة الولايات المتحدة المجروحة وماء وجهها الذي أريق واعادة فرض هيمنتها في عالم اصبح متغير، ونظام دولي متعدد الاقطاب.
ــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
