المقالات

عن الإمام العادل الذي أسس دين التعايش الاجتماعي.


أحمد عبد السادة

 

تروادني منذ مدة فكرة الكتابة عن جذور نشوء التشيع في العراق وإيران لأنني أزعم بأنني امتلك قراءة خاصة لهذا النشوء الذي أرى أنه يستند إلى جذور اجتماعية وسياسية واقتصادية وليست فقهية.

لم يكن هناك شيء اسمه التشيع - بالمعنى الشائع - قبل أن يقرر علي بن أبي طالب نقل مركز الخلافة إلى الكوفة، ذلك القرار الجريء الذي كان أساس انتشار التشيع.

قبل هذا القرار كان ينظر لعلي سابقا في العراق وبلاد فارس بأنه فرد من الاسرة القرشية الارستقراطية السلطوية التي ترى في العراق (بستان قريش) وتتعامل مع العراقيين (الموالي) والعجم كمواطنين من الدرجة الثالثة. ولم تتغير هذه النظرة إلا عندما قرر علي أن ينقل مركز الخلافة من المدينة الى الكوفة ليكسر بذلك رمزيتين صلدتين، الأولى رمزية المكان، والثانية رمزية التقاليد والسياقات السلطوية القرشية الفوقية. استلم العراقيون رسالة علي بسرعة فالتفوا حوله بسرعة أيضا لأنه - بخطوته تلك - أشعرهم بأنه واحد منهم وبأنه دخل من أجلهم في معركة ضد المؤسسة السياسية القرشية ليؤسس لهم جمهورية الفقراء، وليضعهم في مرتبة واحدة مع من كانوا يظنون أنفسهم بأنهم سادة العرب والعجم ولهذا لم تسامحه أبدا تلك المؤسسة وستبقى تنظر له بأنه الشخص الذي أهدر سلطتها وسطوتها لصالح فقراء العراق وإيران، ولهذا ستخوض تلك المؤسسة ضد علي مستقبلا معارك عديدة لاسترداد السلطة بوجهها الفوقي القديم، كمعركتي (الجمل) و(صفين)، وهي معارك تشبه في توجهها المعارك التي خاضها ولا يزال يخضوها ضدنا (البعثيون/ العروبيون/ التكفيريون) من أجل استرداد السلطة الاستبدادية القديمة بأي ثمن، رغم اختلاف المعطيات بين المرحلتين.

لقد سحر علي العراقيين وخطف قلوبهم ليس لأنه اختار الكوفة العراقية عاصمة لخلافته فقط، بل لأنه جاء إليهم وهو يحمل في جيبه شريعة اخلاقية وإنسانية مرنة وليست شريعة فقهية متصلبة. لقد جاء إلى العراق وهو يسحب خلفه قافلة من الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لفقراء العراق العطاشى لفكرة (العدالة الاجتماعية)، وبالتالي فهو جاء من أجل أن يحمي العراقيين وغيرهم من التمييز الاجتماعي والإقصاء السياسي والاستلاب الاقتصادي.

إن فكرة (العدالة الاجتماعية) هي الفكرة التي أسست التشيع، وطبعته لاحقا بطابع الثورة على الظلم والتمييز، وهي البوصلة التي حددت المسار الشيعي في المستقبل، الأمر الذي يفسر التفاف فقراء العراق الشيعة حول عبد الكريم قاسم رغم أنه كان (سنيا) حسب التوصيف المذهبي الحالي، وذلك لأنهم وجدوا فيه لمحة من ظلال علي، فهو ايضا متواضع وواضح وصريح ونزيه ومتسامح ورحوم وأخلاقي. لا يجيد حيل السياسة، ولا يغدر في معركة، ولا يعلي القانون فوق الرحمة، وفوق كل هذا هو جاءهم بنفس النبتة التي سحرهم بها علي: العدالة الاجتماعية. وهو أمر يؤكد بأن شيعة العراق كانوا يبحثون دائماً عن (عدالة) الحاكم لا عن (هويته)، كما يؤكد أن فكرة (العدالة الاجتماعية) هي الهاجس التاريخي للشيعة عموما ولشيعة العراق تحديدا.

ان الجذر الاجتماعي - الثوري للتشيع هو الذي منح التشيع ميزة التعايش السلمي مع المكونات الأخرى، وهو الذي حماه من الوقوع في فخ (العنف الفقهي) الذي وقعت فيه المذاهب الأخرى، وذلك لأن التشيع بالنهاية هو (دين اجتماعي وثوري) وليس (دينا فقهيا متصلبا) كالدين السني!.

يقول المدعو غيث التميمي بأن عليا لم يمنح الشيعة ما يميزهم ثقافيا وحضاريا وأخلاقيا!.

وردا على هذا الكلام أقول: يكفي ان عليا ترك لشيعته إرث التسامح والسلام والتعايش، وهو إرث يعد برأيي الكنز الحضاري والثقافي والأخلاقي والإنساني الأعظم في ظل موجة التوحش التكفيرية التسونامية التي تضرب البشرية والتي يتبناها الكثيرون بوصفها واحدة من المسلمات (الفقهية)!!.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
حيدر : انا لله وانا اليه راجعون يعني منين نبدي هو انتو سامعين بشي اسمه نقابة معلمين او فد ...
الموضوع :
السوداني يستقبل وفد نقابة المعلمين ويشيد بدور الملاكات التربوية وجهودها في العملية التعليمية
Hussain Hamza : سبحان الله انقل السحر على الساحر!! لماذا تدعمون إسرائيل ضد العرب؟ وضد غزة؟ هل لكم الحق في ...
الموضوع :
ردا الى تصريحات ترامب :: الناتو : الدول الأعضاء متمسكة بمبدأ الدفاع عن بعضها البعض
علي عباس مراد : اني احد منتسبي الشرطة الاتحادية المفسوخ عقدة من جراء الاصابة بعبوة ناسفة والمرض ولم استلم اي تعويض ...
الموضوع :
دائرة شؤون المواطنين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء تستقبل شكاوى المواطنين عبر موقعها الإلكتروني
فيسبوك