ضياء المحسن
الأحزاب السياسية تختلف عن بعضها في برامجها السياسية وهذا أمر لا يكاد يختلف عليه إثنان، وهي تتمتع بحس وطني في رؤيتها للواقع الذي يعيش البلد، لذلك فهي تنطلق من هذه المتبنيات للنهوض بالواقع الذي يعيشه الناخب (في عموم البلدان التي تتمتع بحرية التعبير ومنح صوتها لمن يتماشى مع مصالح الناخبين عموما)، إلا في الدولة العراقية بعد عام 2003، فأنت ستجد عندما تقرأ البرنامج السياسي لأي حزب يعمل في الساحة العراقية؛ بأنه نسخة مكررة من برامج أحزاب سياسية تعمل في هذا البلد الذي لا يتجاوز عدد سكانه الأربعين مليون نسمة.
ملاحظة: يقترب عدد الأحزاب اليوم من 240 حزب، الأمر الذي يعني أن جمهور كل حزب لا يتجاوز المائتين ألف ناخب.
لسنا هنا أزاء عملية حسابية، فلو طبقنا الرياضيات في الإنتخابات، كنا سنجد أن عدد الأحزاب اليوم لا يتجاوز عدد الأصابع، لكن عملية التفريخ التي تحصل بعد كل إنتخابات نيابية، وصراع المصالح يجعل العدد يعمل في متتالية عددية غير منطقية أبدا.
سقنا هذه المقدمة فقط لكي يكون مدخل لما نريد لاحقا، حيث أن المتعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية وجود معارضة تقوم بتقويم عمل الحكومة، وهناك زعيم للمعارضة يجتمع مع رئيس الحكومة ومع الكتلة النيابية التي إنبثقت منها الحكومة، وهذا الأمر يعني بالضرورة عدم وجود أي ممثل للمعارضة في السلطة التنفيذية، كونه سيتعارض مع مبدأ المعارضة الذي تتبناه منذ البداية.
السبب فيما تقدم يكمن في جزئية مهمة قد تكون غائبة عن البعض، ألا وهي أن المعارضة لا تبحث عن المغانم الضيقة لأنصارها، بل هي عندما تصرح وتشخص الأخطاء للحكومة، إنما تعمل على كسب ود الناخب وتزيد من حظوظها الإنتخابية في المرة القادمة، وهذا ما تحاول تجنبه الأحزاب التي في السلطة، من خلال ردم الهوة وتصحيح الأخطاء التي تحصل في عمل الحكومة، من قبيل محاربة الفساد وتقديمهم للمحاكمة، وتقديم أفضل الخدمات للمواطن وإنجاز المشاريع التي يأمل الناخب في مشاهدتها والتمتع بهذه الخدمات.
في العراق الأمر يختلف بالمطلق، فمع أن الدستور منح الحق للنائب أن ينتقد الحكومة ويستجوب من يشاء من أعضائها؛ بما فيهم رئيس الحكومة نفسه، لكن هذا لا يحصل إلا عندما تكون هناك محاولة للإبتزاز ليس إلا، لذلك فأنت تجد جميع الأحزاب تشارك في الحكومة، ونفس الأحزاب تعارض الحكومة، بل هي تتهم الحكومة بعدم مراعاة مطالب المواطن، فتقوم بتجييش ناخبيها (الذين في أفضل الحالات لا تتجاوز نسبتهم الى المجموع 10ـ17%) وهذه النسبة لا تعطي الحق لهؤلاء بفرض إرادتهم على النسبة الأكبر، لكن وبسبب إمتلاك بعض الأحزاب للسلاح الذي في الغالب يباع في شوارع معروفة للأجهزة الأمنية، بالإضافة الى دور العشائر التي غطت على الدور الحكومي، تجد أن هؤلاء يفرضون أراداتهم على الأغلبية.
بعض الأحزاب السياسية تحاول اليوم السير في نفس المنهج، من خلال استخدام جمهورها بالضغط على الحكومة للحصول على مكاسب هي رفضتها عندما نأت بنفسها عن الحكومة وارتأت أن تكون في المعارضة، وأول دروس المعارضة التي يجب أن تفهمها جميع الأحزاب (سواء في السلطة أو المعارضة)، أنك لا يمكن أن تضع قدم الجنة وقدم في النار، فعندما تسلك طريق المعارضة، فأنت قطعا تحاول أن ترسم خارطة طريق لعملك المقبل، من خلال تشخيص الأخطاء ووضع الحلول للحكومة، الأمر الذي يزيد من حظوظك في الإنتخابات القادمة، أما أنك تقول إنك في المعارضة وتطالب (بحصتك) من المناصب الحكومية، فهو محاولة اللعب على الحبلين.
يفترض أن تكون الأحزاب واعية جدا لمسألة مهمة وهي ضرورة مغادرة قاعدة التوافق الذي ساد عمل حكومات ما بعد عام 2003، وأن يكون البرلمان واعي لعمله الحقيقي، والذي يكمن في مراقبة عمل الحكومة وتشخيص الأخطاء التي ترافق هذا العمل، مع ضرورة التنبيه على تصحيح هذه الأخطاء كونها تمس بمصالح المواطن.
إن المعارضة الحقيقية والفاعلة تكمن في تفعيل آليات الرقابة على السلطة التنفيذية، وليس من خلال إتفاق الكتل المؤثرة على تمرير هذا المشروع أو ذاك بما يتماشى مع مصالحها الضيقة.
نعتقد جازمين إن هذه الإرهاصات التي تحدث في الساحة السياسية، ما هي إلا مقدمة لموت كثيرا من الأحزاب التي سئم منها الناخب، والتي كانت عبارة عن دكاكين لبيع وشراء المناصب وإبتزاز هذا المسؤول أو ذاك، وهذا الأمر يجب أن تلتفت إليه السلطة التنفيذية، من خلال الكشف عن بؤر الفساد المرتبطة بالأحزاب، والتي تقوم بفبركة كثير من القضايا لصالح الأحزاب التي ينتمون إليها.
https://telegram.me/buratha