علي عبد سلمان
لا خلاف على أن الحوار مطلب مهم وملح ، لكونه أنجع طريقة وارقي وسائل الحكم لتجسيد الديمقراطية، خاصة إذا كانت أطراف الحوار تتحاور فوق الطاولة لا تحتها، وكان الهدف منه هو البناء والتنمية وردم الخلاف ، وذلك عندما يكون البلد في أمس الحاجة لتجاوز أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية تهدد وحدته وتضع الظلال على مصيره.
وكل الأحزاب وبدون استثناء ونقصد بها أحزاب العملية السياسية ، تدعي أنها ترى أن الحوار السياسي هو النافذة الديمقراطية الأفضل لتصحيح المسار وتقويم الإعوجاجات، فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية التي تهم أمن البلد ووحدته، وتضمن حسن سير مؤسساته، كمحاربة الفساد والرشوة وسوء الأدارة والاستخدام السيئ لثروة البلد والإقصاء والتمييز وإصلاح العدالة والقضاء وطي ملف الماضي ، كل هذا لأجل أن يجنب البلد الإنزلاقات المتوقعة نحو الهاوية .
وكل واحد منهم ـ أي الساسة ـ جمع أدواته واستعد دون أن يكون مستعدا للدخول في حوار مع الآخر كما قالوا، حتى ولو كان ذلك على حساب المبادئ ومصلحة البلد، تسابق زعماء الأحزاب من كل الألوان والأطياف، والمشارب والأصناف، والعقائد والأعراف.. حتى أن البعض منهم جعل الحوار متبناه الذي وضعه أسما لحزبه...
لكن الحوار ما يزال صورة في الخيال تتراءى في الأفق البعيد لدى البعض من القادة السياسيين، فيما البعض الآخر قد اجتهد في محاولة إقناع الآخرين به، وكأنه حقيقة ثابتة وملموسة... ، أما البعض الثالث فهو لم ينفك عن محاولة إقحام فكرة الحوار في كل مناسبة ، طارحا طريقة عقيمة مؤداها أن نشرع بالحوار دون قيد أو شرط ، ودون الحصول على ابسط الضمانات التي تطمئن على نجاح هذه القضية، وظن هذا البعض الثالث أنه قد نجح في تحويل أطروحة الحوار الى مسلمة ثابتة، تعبأ وعبأ المجتمع من أجلها وهي ما تزال شبحا لم تتحد ملامح أطرافه ولا حتى أعضاء جسمه الأساسية.
إن قضية الحوار ليست بدعا في العمل السياسي، بل هي أسه الثابت، وهو نوعين لا ثالث لهما وإن كان ممكنا تفرعهما الى سبل متعددة، لكنهما يبقيان نوعين ليس إلا: حوار إيجابي وآخر سلبي، وبينهما اللا حوار..!
ومادمنا قد توصلنا الى أن الحوار أس العمل السياسي، فأنه وبالرجوع الى فعل "ساس" أي وجه وسير الأمور وأدارها بحرفية وتخصص، يذهب العقل نحو أن "السياسي" هو غير "السايس" الذي يوجه الخيل ويدربها ويربيها، ويتم التوصل وفقا لذات المعيار الى تعريف أن (السياسي ) هو الشخص الذي يتولى تسيير امور الناس ورعاية مصالحهم، ولأن مصالح البشر تتعارض وتتناقض وتتشابك وتتداخل وتتعقد، كان دور السياسي هو العمل في ميدان التوفيق بين هذه المصالح ورعايتها، وبما يحقق في النهاية مصلحة الجماعة ..والميدان الذي أشرنا اليه والذي يعمل فيه السياسي هو "السياسة".. باختصار فإننا نعرف الآن أن دور السياسيين هو رعاية مصالح الأفراد العاديين الذين لا يشتغلون بالسياسة وذلك بالطبع بطريقة تحقق الصالح العام وليست مصالح شخصية خاصة.
والسياسي هو الذي يفقه فلسفة فن الممكن وهي "فرية" علم السياسة . وهو الذي يعرف متى يسكت حين يطلب منه الحديث، ومتى يتحدث حينما يقتضي منه السكوت وله أي للسياسي أدوات ، معول ومجرفة ومنجل ومسحاة ومطرقة و مكنسة أيضا...! يستخدمها إستخداما مزدوجا! المعول الذي يفترض أن يستخدمه لعزق الأرض وتهيأة مناخات العمل الوطني ،يستعمل للهدم كما هو حاصل من أغلب سياسيينا هنا في العراق، المجرفة أداة إزالة التجاوزات عن حقوق الشعب تستعمل كأداة مناورة للتنقل بين الكتل والقيم أيضا ، المنجل الذي يفترض أن يكون لتشذيب الرؤى والأفكار وتعديل الحافات، يستخدم لقطع الصلات بالماضي الأسود للسياسي والبدء بصفحة جديدة يضحك فيها على الذقون!.. المسحاة لا يستعملها إلا السياسيين المهمين والفاعلين وطنيا، وذلك للحفر في وجدان وذاكرة الشعب عميقا، عملا صالحا تماما مثل مهمة المسحاة لدى الفلاح، غير أن الساسة لديهم إستعمال آخر لها فهم يعمقون بواسطتها الهوة بينهم وبين الشعب بحفر الأمتيازات والمنافع الشخصية..! المطرقة جهاز إعلامي كفوء يخدم الأهداف ويحولها الى واقع مقبول ، فيما هم يلوحون بها لتكسير الرؤوس بإستمرار الطرق على مواضيع خلافية بعينها!....
https://telegram.me/buratha