علي عبد سلمان
عرف الامام السجاد عليه السلام بأبن الخيرتين؛لان ابيه هو الامام الحسين ابن علي ابن ابي طالب عليه السلام،اما امه فهي احدى بنات ملوك فارس،وقد ورد في الاثر"ان الله اختار من عباده خيرتين فخيرته من العرب بنو هاشم ومن العجم فارس،وفي ذلك يقول ابو الاسود الدؤلي:
وان وليداً بين كسرى وهاشم لأكرم من نيطت عليه التمائم.
لم تكن كربلاء حدثاً عابراً في التأريخ،بدأ وانتهى بتفوق فئة على اخرى،عسكرياً او سياسياً،انما جاءت كربلاء لترسم لنا حداً فاصلاً بين المسلمين ومدعيي الاسلام،بين الحقيقة ومن يدعيها،بين الحق والباطل،لذلك يجب ان لاتتوقف كربلاء عن العطاء،وأن أختلفت السبل والمناهج لتوظيف الحادثة،في ابراز الاهداف التي من اجلها وقعت.
بعد ان وضعت كربلاء اوزارها،ووقعت المأساة وافتجع المسلمون،وسجل التأريخ بمداد قلمه الاحمر القاني وصمة العار في جبين هذه الامة، تحتم على الامام السجاد عليه السلام الاستمرار باظهار المأساة وتوظيفها في خدمة الاصلاح،الذي من اجله ثار ابيه عليهما السلام.
فقد رأى "أن الارضية صالحة لبيان الحقيقة،والجو مناسب لذلك،فأستثمرت الظلامة لتهيج العواطف،للكشف عن شرف النهضة ورفعتها ورفعة مقام اهل البيت،كذلك لاظهار فداحة المصاب وعظم الفاجعة،لتنبيه الغافلين وتهيييج المشاعر،بما يصدع القلوب ويترك اعظم الاثر في النفوس".
لذلك فقد مارس الامام السجاد ادوار عدة لاظهار هذه المأساة،منها دور الكلمة واثرها العميق في التاثير،وقد ظهر هذا جلياً في خطبه عليه السلام،منها،لما دخل هو وعماته الكوفة،حيث اجتمع عليهم الناس،فهالهم المشهد حينما شاهدوا ماحل بعائلة ال الرسول،فأخذوا يبكون وينوحون،فأوما للناس ان اسكتوا وبعد ان حمد الله واثنى عليه وعرفهم بنفسه،بدأ بسرد ماجرى عليهم من ظلم وقتل وانتهاك،كي يصدم الناس بالمأساة التي جرت فقال:"انا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله،انا ابن المذبوح بشط الفرات،انا ابن من قتل جرا وكفى بذلك فخرا"،حتى ضج الناس في العويل والبكاء،وبدأوا يدركون عظم الفعل الذي فعلوه،فعادوا الى ذاتهم يجلدونها ويؤنبونها على التخاذل والتصغائر عن عظائم الامور.
وموقف اخر له في الشام حينما صعد المنبر خطيباً،وبعد ان كشف للناس مقام اهل البيت ومامنحهم الله من عطايا وبما فضلهم من مزايا قال:"انا ابن المقتول ظلما،انا ابن المحزوز الرأس من القفا،انا ابن العطشان حتى قضا،انا ابن طريح كربلاء،انا ابن مسلوب العمامة والرداء،انا ابن من بكت عليه ملائكة السماء،انا ابن من ناحت عليهالجن في الارض..."بهذه الكلمات الشجية وهذه المفردات الدامية عرض الامام مشهد المأساة.هذا كان على صعيد الكلمة.
اما على صعيد المواقف العملية، فكان يذهب عليه السلام الى سوق الجزارين، ويسأل الجزار هل سقيت الكبش ماءاً قبل ذبحه، يقول: نعم يابن رسول الله،انا لانذبح حيواناً حتى نسقيه ولو قليلاً من الماء،فيبكي بكاءأ شديداً ويقول:لقد ذبح ابو عبدالله عطشاناً،
وكان ايضا عليه السلام اذا رأى غريباً في المدينة،يدعوه الى بيته للضيافة ويقول له بين جمع من الناس:اترى لو اصابك الموت وانت غريب عن اهلك،هل تجد من يغسلك ويدفنك،فقال الناس:يابن رسول الله كلنا نقوم بهذا الواجب،فبكى وقال:لقد قتل ابو عبدالله غريباًوبقي ثلاثة ايام تصهره الشمس بلااغسل ولا كفن.
هذه بعض من المواقف، التي وقفها عليه السلام،لتوظيف ماساة كربلاء وتسخيرها في خدمة الهدف الحسيني،الذي هو اصلاح الامة،وايقاضها من غفلتها،وجعل واقعة كربلاء حادثة حية تتحرك في شعور المسلمين،على مر العصور والدهور،ليختار من يختار،اما طريق الحسين فينجو من العذاب، اوطريق يزيد،فيهط في درك الانحلال والفساد ويقع في مهاوي الرذيلة.
كذلك كان الامام يستهدف ضمير الامة،ليشحن النفوس ويهيئها للثورة على الظلم والظالمين،الذين يستبيحون المحارم ويستهترون بالقيم، فسلام عليه يوم ولد ويوم صدح بالحق امام الجبابرة وسلام عليه يوم يموت ويوم يبعث حيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha