المقالات

الإصلاح السياسي والإداري على الطريقة العلوية ـ  الجزء الثاني


طيب العراقي

 

هذا بحث من ثلاثة أجزاء، سنتناول فيه الطريقة التي عالج فيها الإمام علي عليه السلام؛ بعدما آلت اليه الأمور، دولة حديثة التشكل، لكنها واجهت بعد إرتحال مؤسسها الرسول  وعلى آله وسلم.. نضع هذا البحث بيت أيدي المعنيين، علهم يجدون فيه هديا لبوصلتهم التي فقدت الإتجاه..

ـــــــــــــــــــــــ

تناولنا في الجزء الأول من هذا البحث، قيام الإمام عليه السلام، بعد أن آلت اليه الأمور بحملة لتطهير أجهزة الدولة من الفاسدين والمفسدين، ثم تأميم الأموال المختلسة، وتحدثنا عن لوعته على الأمة، وقيام نفر من العثمانيين بالتمرد على سلطاته الدستورية، وسنتاول في هذا الجزء، الإجراءات الأخرى التي أتخذها، لترصين دولة العدل الإلهي، وتصحيح الإنحراف.

الرابع: سياسة الإمام (عليه السلام):

فيما يلي عرضاً موجزاً للسياسة الإصلاحية التي اتبعها الإمام (عليه السلام) لإدارة الدولة الإسلامية وهي كما يلي:

أولاً: السياسة المالية:

كانت السياسة المالية التي انتهجها الإمام (عليه السلام) امتداد لسياسة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) الذي عنى بتطوير الحياة الاقتصادية، وإنعاش الحياة العامة في جميع أنحاء البلاد، بحيث لا يبقى فقير أو بائس أو محتاج، وذلك بتوزيع ثروات الأمة توزيعاً عادلاً على الجميع.

ومن مظاهر هذه السياسة هي:

1 - المساواة في التوزيع والعطاء، فليس لأحد على أحد فضل أو امتياز، وإنما الجميع على حدٍّ سواء.

فلا فضل للمهاجرين على الأنصار، ولا لأسرة النبي (صلى الله عليه وآله) وأزواجه على غيرهم، ولا للعربي على غيره.

وقد أثارت هذه العدالة في التوزيع غضب الرأسماليين من القرشيين وغيرهم، فأعلنوا سخطهم على الإمام (عليه السلام).

وقد خفت إليه جموع من أصحابه تطالبه بالعدول عن سياسته فأجابهم الإمام (عليه السلام): (لو كان المال لي لَسوّيتُ بينهم فكيف، وإنما المال مال الله، ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا، ويضعه في الآخرة، ويُكرّمه في الناس، ويهينه عند الله).

فكان الإمام (عليه السلام) يهدف في سياسته المالية إلى إيجاد مجتمع لا تطغى فيه الرأسمالية، ولا تحدث فيه الأزمات الاقتصادية، ولا يواجه المجتمع أي حِرمان أو ضيق في حياته المعاشية.

وقد أدت هذه السياسة المشرقة المستمدة من واقع الإسلام وهَدْيهِ إلى إجماع القوى الباغية على الإسلام أن تعمل جاهدة على إشاعة الفوضى والاضطراب في البلاد، مستهدفة بذلك الإطاحة بحكومة الإمام (عليه السلام).

2 - الإنفاق على تطوير الحياة الاقتصادية، وإنشاء المشاريع الزراعية، والعمل على زيادة الإنتاج الزراعي الذي كان من أصول الاقتصاد العام في تلك العصور.

وقد أكد الإمام (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر على رعاية إصلاح الأرض قبل أخذ الخراج منها.

فيقول (عليه السلام): (وليكُن نظرك في عِمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يُدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً).

لقد كان أهم ما يعني به الإمام (عليه السلام) لزوم الإنفاق على تطوير الاقتصاد العام، حتى لا يبقى أي شبح للفقر والحرمان في البلاد.

3 - عدم الاستئثار بأي شيء من أموال الدولة، فقد تحرج الإمام (عليه السلام) فيها كأشد ما يكون التحرّج.

وقد أثبتت المصادر الإسلامية بوادر كثيرة من احتياط البالغ فيها، فقد وفد عليه أخوه عقيل طالباً منه أن يمنحه الصلة ويُرَفّهُ عليه حياته المعاشية، فأخبره الإمام (عليه السلام) أن ما في بيت المال للمسلمين، وليس له أن يأخذ منه قليلاً ولا كثيراً، وإذا منحه شيء فإنه يكون مختلساً.

وعلى أي حال فإن السياسة الاقتصادية التي تَبنّاها الإمام (عليه السلام) قد ثقلت على القوى المنحرفة عن الإسلام، فانصرفوا عن الإمام وأهل بيته ( عليهم السلام )، والتحقوا بالمعسكر الأموي الذي يضمن لهم الاستغلال، والنهب، وسلب قوت الشعب، والتلاعب باقتصاد البلاد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك