طيب العراقي
الديمقراطية سادتي لا تنشأ بلمسة سريعة من عصا سحرية، ولا تبنى بقرار فوقي يصدره الكبار، فهي قبل ذلك ثقافة، ينبغي أن تسود في المجتمع ويتفهمه، وقبل ذلك كله يتوجب أن تؤمن بها القوى السياسية، العاملة على الساحة الوطنية، وبخلافه ستتحول الديمقراطية، من أسلوب للحكم؛ يفضي لبناء وطن تسوده قيم الكفاية والعدل، ألى طريق للوصول الى السلطة، عبر آليات الديمقراطية، وتكون السلطة هي الهدف النهائي..
مناسبة هذه المقدمة؛ لم يتبق إلا بضعة أيام؛ على الأجل الذي رسمه قانون الموازنة لعام 2019، والذي يجب أن ينتهي بموجبه موضوع إدارة المناصب الحكومية بالوكالة، فالأجل هو الثلاثين من حزيران 2019، وبعدها يصبح المسؤول الذي يدير منصبه بالوكالة، بلا صلاحيات وبلا مخصصات المنصب، ولا يحق له أن يصدر قرارات؛ تتعلق بالمنصب الذي يشغله!
الحقيقة أن الوقت يمضي ومؤسسات الدولة؛ ستجد نفسها في ذلك الأجل في خانق ضيق، لأن الوقائع الجارية على الأرض؛ تشير الى أن معركة المحاصصة على أشدها، على الرغم من إعلان بعض الكتل السياسية وضع الأمر بيد رئيس الوزراء، وحينما يأتي يوم 30/6 لا نعلم ماذا سيحصل، لكن من بين الحلول المتوقعة، أن يصدر مجلس النواب تعديلا لقانون الموازنة، يمدد به الأجل؛ وكفى الله السياسيين شر الإقتتال على المناصب!
ما نراه فاشيا في أجهزة الدولة، وفي مفاصلها العليا بالتحديد، من إشغال تلك المفاصل، بناءا على الولاءات الحزبية والسياسية والشخصية، وليس بناءا على الكفاءة المرتبطة بالإستحقاقات الإنتخابية، والتوازن المكوناتي والمجتمعي.
نقول التوازن المكوناتي والمجتمعي؛ وليس التوازن السياسي أو الطائفي؛ إذ أن الدولة لم تول أحدا منصبا تنفيذيا أو تشريعيا، في المحافظات من غير سكانها، لكنها أستطاعت وبخفة الحاوي وساحر السيرك، أن تول مناصب رفيعة، في مفاصلها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وفقا لإتفاقات الغرف المغلقة، أو بناءا على إجتهادات الكبار، أو قسرا بتنفيذ فكرة التغالب، التي طحنت الإدارات العامة، وصيرتها مراتع للفاشلين والفسدين والإمعات!
الفيليون على سبيل المثال؛ مكون مجتمعي يزيد عديده عن أربعة ملايين مواطن، سحقهم ظلم النظام الصدامي والأنظمة التي سبقته، مظلومين مسحقون بعد تحرير العراق من نير الصدامية، وهم كمكون محرومين بشكل مريع، من أن يديروا مناطق سكنهم، فضلا عن حرمانهم من تولي المراكز العليا في الدولة، مع أنهم يعجون بكفاءات أكاديمية نادرة وفي مختلف الإختصاصات، فضلا عن تراثهم العريق في إدارة عجلة الإقتصاد العراقي.
لقد رسم الدستور طرقا محددة، لإيلاء المناصب العليا الى من يستحقها، وكان هذا موضوع نقاشات حادة، ونزاعات سياسية واسعة، بين الحكومة السابقة والكتل السياسية، بل كان من بين أهم متبنيات معظم الكتل، في إطروحتها الأنتخابية لنيل ثقة المواطن في الأنتخابات المنصرمة، بيد أن شيئا على الأرض لم يتغير، إن لم يكن قد تعزز بالنهج الإستحواذي، الذي تفكر به، وتنتهج سبله الطبقة الحاكمة.
ماذا يعني ذلك؟! ببساطة شديدة، أن الطبقة السياسية الحاكمة، ووفقا للمعطيات على الأرض، متهمة بإنتهاكات كبرى وخطيرة للدستور، ففيما خلا التشكيلة الوزارية، لم يعرض أي منصب، سواء في أجهزة الدولة، أو في الجيش والقوات الأمنية، من تلك المناصب التي أوجب الدستور، أن تعرض أسماء مرشحي إشغالها، على مجلس النواب للتصويت عليها، بالموافقة شأننا شأن دول العالم، التي سلكت الديمقراطية مسلكا لإدارتها.
لذلك فإن بقاء إدارات الدولة؛ وهي تدار بالتوكيل والتكليف، يعني إرتهان المنصب ومن يشغله، بيد الموكِل أو المكلِف، وهذه هي البوابة الأوسع للفساد، وللديكتاتورية المغلفة بغلاف الديمقراطية، ويعني أيضا أن هناك إرادة صممت مسبقا على سرقة الإستحقاقات، ومنها إستحقاق كفاءات المكون الفيلي أن تقدم عطائها لبلدها.
يمكن وصف الصورة الراهنة، بإنها ملتقطة لشكل بدائي جدا، من أشكال الديمقراطية، حيث يحق فيها، للفيليين التشكي والتوجع، بل والصراخ بوجه الحاكمين في إحيان قليلة، ولا شيء غير ذلك!
لقَد أسمَعتَ لَو نادَيتَ حَيّاً -- ولكن لا حَياةَ لِمَن تُنادي
فَلَو ناراً نَفَختَ بِها أضاءَت -- ولكن كُنتَ تَنفُخُ في الرَّمادِ
الفيليون يشكون فهل من يسمع شكواهم؟!