علي عبد سلمان
من المؤكد أن برنامج الإصلاح، يجب أن يحتوي عزما اكيدا، على محاربة الفساد والفاسدين، وهذا ما صرح به رئيس الوزراء عشرات المرات، وباتت مفردة الفساد واحدة من إيقونات حياتنا السياسية.
الحقيقة الساطعة، أنه لا يوجد فساد يقف في الفراغ معلقا!فجوهر الفساد يرتبط بوجود فاسدين، ولذلك ليس من المأمول محاربة الفساد، دون تعيين وتحديد واضح للفاسدين، وكشف هوياتهم دون مواربة أو خداع للنفس والآخرين..
لن تقوم للإصلاح أو التغيير قائمة، ما دام هناك من الإصلاحيين أو دعاة التغيير، من لا يزال مذعورا وخائفا، من الإشارة إلى حوامل الداء، والاكتفاء بتشخيص فضفاض للداء، وكأن الأمر يتعلق بأشباح تفسد في الأرض دون أن يلمحها أحد!
شيء حسن أن يتم تشخيص الفساد، وملاحقة مظاهره في الحياة العامة والمؤسسات، وفي الأجهزة السياسية والأمنية، والممارسات الجماعية وغيرها، مثلما يفلح الطبيب الماهر في تشخيص المرض، ومن ثم علاجه أو وصف الدواء المناسب له، لكن الاكتفاء بمجرد التشخيص المجرد ،دون تسمية الفاسدين ومواقعهم، يترك الباب مفتوحا للمناورة الكلامية والخلط ودخول الفاسدين أنفسهم في الثرثرة حول الفساد!
مثل هذا المسلك يشيع عدم الثقة في الأوساط المتضررة من الفساد، ويشكك في مصداقية أي خطاب جدي، حول محاربة هذه الآفة الخطيرة، التي تنخر وتسفه دعائم حياة نظيفة تليق بالكائن الإنساني، ويفتح الباب أمام مصراعيه لشيوع مظاهر البلبلة الفكرية التي تتغذي منها التيارات النكوصية والظلامية، لمزيد من إحكام القبضة على عقول الناس وترويض نفوس الضعفاء والبسطاء منهم على الخصوص.
عندما يكتب كتاب معروفين، في موضوع الفساد بكل حمولته السياسية والأخلاقية، وتعلقاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويستعمل في وصفه ما يكفي ويزيد من العبارات الناقدة الرافضة لوقائع الفساد، مع ما يتطلبه فن الكتابة، من الاستطرادات والاستعارات المتاحة في القاموس البلاغي، وبكل ما يوحي به ذلك من "جرأة" في تسمية الداء، وبعض تفاصيله ومسمياته في الحياة العامة، يخال المرء نفسه أمام فرسان لا يشق لهم غبار، يمتطي كل منهم صهوة جواد أبيض، وقد جاء مبشرا بقدوم عصر النقاء المطلق، وحاملا سيف الحق الذي لا يساوم.
الثرثرة حول الفساد شراكة؛ كشراكة الذي يقول نصف الحقيقة ويخفي نصفها الآخر..
https://telegram.me/buratha